تشرع الآية في الكلام على علم الله فتقول : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُو).
«مفاتح» جمع «مفتح» (بكسر الميم وفتح التاء) وهو المفتاح ، أمّا إذا كانت بفتح الميم فهي بمعنى الخزانة التي تختزن فيها الأشياء.
وعلى الأوّل يكون المعنى : إنّ جميع مفاتيح الغيب بيد الله.
وعلى الثّاني يكون المعنى : إنّ جميع خزائن الغيب بيد الله.
ويحتمل أن يكون المعنيان قد اجتمعا في عبارة واحدة ، وكما هو ثابت في علم الأصول ، فإن استعمال لفظة واحدة لعدة معان لا مانع منه ، وعلى كل حال فهاتان الكلمتان متلازمتان ، لأنّه حيثما كانت الخزانة كان المفتاح.
وأغلب الظن أنّ «مفاتح» بمعنى «مفاتيح» لا بمعنى «خزائن» لأنّ الهدف هو بيان علم الله ، فتكون المفاتيح وسائل لمعرفة مختلف الذخائر وهو أنسب بالآية ، وفي موضعين آخرين في القرآن ترد كلمة «مفاتح» بمعنى المفاتيح (١).
ثمّ لتوكيد ذلك أكثر يقول : (وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).
«البرّ» كل مكان واسع فسيح ، وتطلق على اليابسة ، «والبحر» كذلك تعني المحل الواسع الذي يتجمع فيه الماء ، وتطلق على البحار والمحيطات وعلى الأنهر العظيمة أحيانا.
فالقول بأنّ الله يعلم ما في البر والبحر ، كناية عن إحاطته بكل شيء ، وهذه الإحاطة بما في البرّ والبحر إنّما تمثل في الحقيقة جانبا من علمه الأوسع.
فهو عالم بحركة آلاف الملايين من الكائنات الحية ، الكبيرة والصغيرة ، في أعماق البحار.
وهو عالم بارتعاش أوراق الأشجار في كل غابة وجبل.
وهو عالم بمسيرة كل برعمة وتفتح أوراقها.
__________________
(١) (ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) (القصص ، ٧٦) و (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) (النّور ، ٦١).