إنّ كلمة (الرحمة) التي ذكرت هنا لها مفهوم واسع ، ويدخل ضمنه كل خير وبركة وسعادة ، سواء في هذه الحياة أو في العالم الآخر ، وهذه الجملة في الواقع جاءت مقابلة لحال المنافقين الذين لعنهم الله وأبعدهم عن رحمته.
ولا شك أنّ وعد الله للمؤمنين قطعي ويقيني لأنّ الله قادر وحكيم ، ولا يمكن للحكيم أن يعد بدون سبب ، وليس الله القادر بعاجز عن الوفاء بوعده حين وعد (إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).
الآية الثّانية شرحت جانبا من هذه الرحمة الإلهية الواسعة التي تعم المؤمنين في بعديها المادي والمعنوي. فهي أوّلا تقول : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) ، ومن خصائص هذه النعمة الكبيرة أنّها لا زوال لها ولا فناء ، بل الخلود الأبدي ، لذا فإن المؤمنين والمؤمنات سيكونون (خالِدِينَ فِيها).
ومن المواهب الإلهية الأخرى التي سوف ينعمون بها هي المساكن الجميلة ، والمنازل المرفهة التي أعدها الله لهم وسط الجنان (وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ).
(عدن) في اللغة تعني الإقامة والبقاء في مكان ما ، ولهذا يطلق على المكان الذي توجد فيه مواد خاصّة اصطلاح (معدن) ، وعلى هذا المعنى فإنّ هناك شبها بين الخلود وعدن ، لكن لما أشارت الجملة السابقة إلى مسألة الخلود ، يفهم من هذه الجملة أن جنات عدن محل خاص في الجنّة يمتاز على سائر حدائق الجنّة.
لقد وردت هذه الموهبة الإلهية بأشكال وتفسيرات مختلفة في الرّوايات وكلمات المفسّرين ، فنطالع في حديث عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «عدن دار الله التي لم ترها عين ، ولم يخطر على قلب بشر ، لا يسكنها غير ثلاثة : النّبيين ، والصدّيقين ، والشّهداء» (١).
وفي كتاب الخصال نقل عن النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قوله : «من سرّه أن يحيا حياتي ، ويموت مماتي ، ويسكن جنتي التي واعدني الله ربّي ، جنات عدن ... فليوال علي بن أبي
__________________
(١) مجمع البيان ، ذيل الآية.