الثلاثة يقول مباشرة بأنّ هؤلاء سيجيبون بسرعة : (فَسَيَقُولُونَ اللهُ).
يستفاد من هذه الجملة جيدا أنّه حتى مشركي وعبدة الأصنام في الجاهلة كانوا يعلمون أنّ الخالق والرازق والمحيي ومدبر أمور عالم الوجود هو الله سبحانه ، وقد علموا هذه الحقيقة عن طريق العقل ، وكذلك عن طريق الفطرة ، وهي أنّ هذا النظام الدقيق للعالم لا يمكن أن يكون وليد الصدفة والفوضى ، أو مخلوقا من قبل هذه الأصنام.
وفي آخر الآية يأمر الله نبيّه (فَقُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ) فإنّ الوحيد الذي له أهلية العبادة هو الذي بيده الخلق وتدبير أمره ، وإذا كانت العبادة لأجل أهلية وعظمة ذات المعبود ، فإنّ هذه الأهلية والعظمة منحصرة في الله تعالى ، وإذا كانت من أجل أنّه مصدر الضر والنفع ، فإنّ ذلك مختص بالله أيضا.
وبعد أن عرضت الآية السابقة نماذج من آثار عظمة وتدبير الله في السماء والأرض ، وأيقظت وجدان وعقل المخالفين ودعتهم للحكم في أمر الخالق ، واعترف هؤلاء بذلك ، خاطبتهم الآية التالية بلهجة قاطعة وقالت : (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) لا الأصنام ، ولا سائر الموجودات التي جعلتموها شريكة للباري عزوجل ، والتي تسجدون أمامها وتعظمونها.
كيف يمكن أن يكون هؤلاء أهلا للعبودية في حين أنّهم ليسوا فقط غير قادرين على المشاركة في خلق العالم وتدبيره فحسب ، بل منغمسون في الفقر والاحتياج من الرأس حتى أخمص القدم.
ثمّ تنتهي إلى ذكر النتيجة : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) وأنّى تولوا وجوهكم عن عبادة الله وأنتم تعلمون ألا خالق ولا معبود حقّا سواه؟
إنّ هذه الآية في الواقع تطرح طريقا منطقيا واضحا لمعرفة الباطل وتركه ، وهو أن يخطو الإنسان أوّلا في سبيل معرفة الحق بآليات الوجدان والعقل ، فإذا عرف الحق فإنّ كل ما خالفه باطل وضلال ، ويجب أن يضرب عرض الحائط.