قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَتَذْكِيرِي بِآياتِ اللهِ فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) ولهذا فإنّي لا أخاف غيره. ثمّ تضيف : (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكاءَكُمْ) أي ادعوا أصنامكم أيضا لتعينكم في المشورة ، حتى لا يبقى شيء خافيا على أحد ولا يتعرض منكم الى الهم والغم أحد (ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً) بل اتّخذوا قراركم في شأني بكل وضوح.
«غمّة» من مادة غم ، وهي تعني خفاء الشيء وتغطيته ، وإنّما يقولون للحزن : غمّ أيضا لأنّه يغطي قلب الإنسان.
ثمّ يقول : (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ) (١).
إنّ نوحا رسول الله الكبير صمد مقابل أعدائه الأقوياء المعاندين وواجههم بقاطعية وحزم وفي منتهى الشجاعة والشهامة مع أصحابه القليلين الذين كانوا معه ، وكان يستهزئ بقواهم ويريهم عدم اهتمامه بخططهم وأفكارهم وأصنامهم ، وبهذه الطريقة كان يوجه ضربة نفسية عنيفة إلى أفكارهم.
وإذا علمنا أنّ هذه الآيات نزلت في مكّة في الوقت الذي كان يعيش فيه النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ظروفا تشبه ظروف نوح ، وكان المؤمنون قلّة ، سيتّضح أنّ القرآن يريد أن يعطي للنّبي ـ أيضا ـ نفس هذا الدرس بأنّ لا يهتم بقدرة العدو ، بل يسير ويتقدم بكل حزم وجرأة وشجاعة ، لأنّ الله يسنده وينصره ، ولا تستطيع أية قوّة أن تقف في مقابل قدرته.
__________________
(١) هناك بحث بين المفسّرين في أنّه ما هو جزاء شرط جملة (إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ)؟ ومن بين الاحتمالات التي طرحوها يبدو للنظر أن اثنين منها هما الأقرب : الأوّل : إنّ جملة (فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ) هي جزاء الشرط ، وإن جملة :(فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) جملة معترضة فصلت بين الشرط والجزاء.
الثّاني : إنّ الجزاء محذوف والجمل التالية تدل على ذلك ، والتقدير هكذا : فافعلوا ما تريدون فإنّي متوكل على الله. في الواقع ، إنّ جملة : (فَعَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ) من قبيل العلة حلت محل المعلول ، و (شركاءكم) في الجملة التالية إشارة إلى الأصنام ، والواو قبلها بمعنى مع. (فتدبر جيدا).