وإذا كان معاوية لم يستطيع أن يجرأ على قتل أبي ذر أو التآمر عليه ـ خوفا من إنكار عامّة الناس ـ فهل يعدّ ذلك احتراما لأبي ذر من قبل معاوية؟!
ومن عجائب هذه القصّة ـ أيضا ـ أن المدافعين عن الخليفة الثّالث يقولون : إن تبعيد أبي ذر كان بحكم قانون [تقديم دفع المفسدة على جلب المصلحة؟] لأنّه وإن كان لوجود أبي ذر في المدينة مصلحة كبيرة ، وكان الناس يستفيدون من علمه ، إلّا أنّ عثمان كان يرى أن بقاءه في المدينة يجر المفسدة ـ لطريقة تفكيره ـ ويحدث انعطافا شديدا لا يمكن تحمله ، فلأجل ذلك أغضى عثمان عن المصلحة في وجوده وأخرجه الى الرّبذة دفعا للمفسدة ولما كان كل من أبي ذر وعثمان مجتهدا ، فلا يمكن توجيه النقد أو الإشكال أو أي شيء آخر إليه. (١)
ونحن بدورنا نتساءل : آية مفسدة كانت تترتب على وجود أبي ذر في المدينة؟!
ترى هل في إعادة الناس الى سنة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مفسدة؟!
ولم لا يشكل أبو ذر رضى الله عنه على الخليفة الأوّل ولا الثّاني اللذين لم يفعلا ما فعله عثمان في أموال المسلمين «وبيت المال»؟!
وهل في إعادة الناس الى المناهج المالية التي كانت في صدر الإسلام مفسدة؟!
وهل في نفي أبي ذر وقطع لسان الحق مصلحة؟!
ألم تؤد أعمال عثمان واستمراره بإنفاق بيت المال الى أن أصبح ضحية لكل ذلك؟! ألم يكن ذلك مفسدة وتركه مصلحة؟!
ولكن ما عسى أن نفعل ، فإذا دخل التعصب من باب فرّ المنطق من بابآخر!! على كل حال ، فإنّ سيرة هذا الصحابي الجليل لا تخفى على أي محقق
__________________
(١) راجع المنار ، ج ١٠ ، ص ٤٠٧.