الناصع فجعلوه اشتراكيا!!
وما يؤخذ على أبي ذر من وزر أيضا هو حبّه الشديد للإمام علي عليهالسلام ، فقد كان هذا كافيا لأن يقوم بنو أمية بأساليبهم وأراجيفهم الخبيثة الجهنمية بإسقاط حيثية أبي ذر ، إلّا أن نقاءه وطهارته ومعرفته بالأحكام الإسلامية كانت ناصعة الى درجة أنّهم افتضحوا ولم يفلحوا في مرامهم.
ومن جملة الأكاذيب العجيبة التي ألصقوها بأبي ذر لتبرئة الخليفة الثّالث ، ما ذكره ابن سعد في «الطبقات» : إنّ جماعة من أهل الكوفة جاؤوا أبا ذرّ عند ما نفاه عثمان الى الرّبذه فقالوا : إن هذا الرجل (أي عثمان) فعل ما فعل بك ، فهل مستعد أن ترفع راية تقاتل بها عثمان ، ونحن نقاتله تحت رايتك؟ فقال أبو ذر : كلّا ، لو أرسلني عثمان من المشرق الى المغرب لكنت مطيعا لأمره. (١)
ولم يلتفت هؤلاء الوضّاعون الى أنّه لو كان مطيعا لأمره ، لما كان عثمان يضيق ذرعا به فيكون عليه ـ في المدينة ـ عبئا ثقيلا لا يستطيع حمله أبدا.
والأعجب من ذلك ما ذكره صاحب المنار ـ ذيل الآية محل البحث ـ مشيرا الى قصّة أبي ذر وما جرى بينه وبين عثمان ، فيقول : إنّ قصّة أبي ذر تدل على أن عصر الصحابة ـ ولا سيما عصر عثمان ـ كان إظهار العقيدة فيه مألوفا ، وكان العلماء محترمين، والخلفاء ذوي ولاء ، حتى أن معاوية لم يجرأ أن يقول شيئا لأبي ذر ، بل كتب كتابا الى من هو فوقه مرتبة ـ أي عثمان ـ وطلب منه أن يرى فيه رأيه!!
والحق أنّ التعصّب قد يصنع الأعاجيب ، فهل كان ـ التبعيد والنفي الى الأرض اليابسة الحارة المحرقة «الرّبذة» أرض الموت والنّار تعبير عن احترام حرية الفكر ومحبّة العلماء!!
هل أنّ تسليم هذا الصحابي الجليل «بيد الموت» يعدّ دليلا على حرية العقيدة!!
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ١٠ ، ص ٤٠٦.