في الآيات ـ محل البحث ـ يؤكّد الله سبحانه على النّبي ألّا يؤخر إبلاغه الوحي خوفا من تكذيب المخالفين أو طلبهم معجزات مقترحة من قبلهم.
٢ ـ يرد هنا سؤال هو : كيف يمكن للنّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يؤخر إبلاغه الوحي ، أولا يبلغه أساسا؟ مع أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم معصوم ولا يصدر منه الخطأ والذنب!
الجواب : إنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم متى ما امر بتبليغ حكم فوري فمن المسلّم أنّه يبلغه فورا ودون إبطاء ، ولكن يتفق ـ أحيانا أن يكون وقت التبليغ موسعا .. والنّبي يؤخر البلاغ تبعا لأمور ... هذه الأمور ليس لها جانب شخصي بحيث تعود للنبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نفسه ، بل لها جانب عام ودفاع عن الدين ، وهذا التأخير ليس ذنبا قطعا ، مثل ما ورد ـ في سورة المائدة في الآية ٦٧ ـ من أمر الله للرّسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم بالتبليغ ، وأن لا يخاف من تهديدات الناس لأنّ الله سيحفظه حيث يقول عزوجل : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
وعلى هذا فلم يكن تأخير البلاغ هنا ممنوعا على النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولكن «الإسراع» فيه دليل على قاطعيته .. فالإسراع بالتبليغ يعدّ أولى من التأخير .. فالله سبحانه يريد أن يشدّ من معنوية نبيّه صلىاللهعليهوآلهوسلم ويثبت فؤاده ويجعله صلدا أمام المخالفين بحيث يبلغ «بضرس قاطع» ولا يلتفت إلى طلبات المخالفين وحجج المستهزئين ، ولا يستوحش من صخبهم وضجيجهم!
٣ ـ احتمل المفسّرون في معنى «أم» التي في أوّل الآية الأخرى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) احتمالين :
الأوّل : إنّه بمعنى «أو».
والثّاني : بأنّه بمعنى «بل».
ففي الصورة الأولى يكون المعنى على النحو التالي :
لعلك لم تتل آياتنا خوفا من حجج المخالفين ، أو أنّك تلوتها ولكنّهم كذبوك