كان عليهم صعبا وثقيلا إلى درجة يتصور فيها أنّهم فقدوا حاسة السمع ، فلا قدرة لهم على السمع ، وهذا التعبير ينسجم تماما مع قولنا مثلا : إنّ الشخص العاشق لا يستطيع أن يسمع كلاما عن عيوب معشوقه! ..
وبديهي أنّ عدم استطاعة دركهم الحقائق كانت نتيجة لجاجتهم الشديدة وعدائهم للحق والحقيقة ، وهذا لا يسلب عنهم المسؤولية ، لأنّهم هم السبب في ذلك ، وهم الذي مهّدوا له ، وكان بإمكانهم أن يبعدوا عنهم هذه الحالة ، لأنّ القدرة على السبب قدرة على المسبّب.
والآية التي بعدها تبيّن في جملة واحدة حصيلة سعيهم وجدهم في طريق الباطل ، فتقول : (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) وهذه أعظم خسارة يمكن أن تصيب الإنسان ، إذ يخسر وجوده الإنساني .. ثمّ تضيف الآية : أنّهم اتخذوا آلهة ومعبودين مصطنعين «مزيفين» ولكن تلاشت هذه الآلهة المصنوعة والمزيفة أخيرا .. (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ).
وفي نهاية الآية بيان الحكم النهائي لمآلهم وعاقبتهم بهذا التعبير (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ).
والسبب واضح ؛ لأنّهم حرموا من نعمة السمع الحاد والبصر النافذ ، وخسروا كلّ إنسانيتهم ووجودهم ، ومع هذه الحال فقد حملوا أثقال مسئوليتهم وأثقال الآخرين مع أثقالهم.
والمعنى الأصلي لكلمة «لا جرم» مأخوذ من «جرم» على وزن «حرم» وهو قطف الثمار من الأشجار ، كما نقل ذلك الراغب في مفرداته ، ثمّ توسع هذا المعنى فشمل كلّ نوع من الكسب والتحصيل ، ولكثرة استعمال الكلمة في الكسب غير المرغوب فيه شاعت في هذا المعنى ، ولذلك يطلق على الذنب أنّه جرم.
ولكن حين تبدأ هذه الكلمة جملة وهي مسبوقة بـ «لا» فيكون معناها حينئذ:أنّه لا شيء يمكنه أن يمنع أو يقطع هذا الموضوع ، فهي قريبة من معنى «لا بدّ» أو «من المسلّم به» والله العالم «فتدبر».
* * *