وترك الأوثان (وَما نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ).
وأضافوا إلى هذه الجمل الثّلاث غير المنطقية ، أنّك يا هود مجنون و (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) ولا شكّ أنّ هودا ـ كأي نبي من الأنبياء ـ أدّى دوره ووظيفته وأظهر المعجز أو المعجزات لقومه للتدليل على حقانيته ، ولكنّهم لغرورهم ـ مثل سائر الأقوام ـ أنكروا معارجه وعدوّها سحرا وعبارة عن سلسلة من المصادفات والحوادث الاتفاقية التي لا يمكن أن تكون دليلا على المطلوب.
وأساسا ، فإنّ نفي عبادة الأوثان لا يحتاج إلى دليل ، ومن يكن له أقل شعور وعقل ـ ويترك المخاصمة ـ يدرك هذا الأمر جيدا ، ولو فرضنا أنّ ذلك يحتاج إلى دليل ، فهل يحتاج إلى معجزة بعد الدلائل العقلية والمنطقية ..؟!
وبتعبير آخر فإنّ ما جاء في دعوة هود ـ في الآيات المتقدمة ـ هو الدعوة إلى الله الواحد الأحد ، والتوبة إليه والاستغفار من الذنوب ، ونفي أي نوع من أنواع الشرك وعبادة الأوثان ، كل هذه المسائل يمكن إثباتها بالدليل العقلي.
فعلى هذا ، إنّ كان المقصود من قولهم : (ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) هو نفي الدليل العقلي، فكلامهم هذا غير صحيح قطعا. وإذا كان المقصود هو نفي المعجزة ، فإنّ هذا الادعاء لا يحتاج إلى معجزة. وعلى كل حال فإنّ قولهم : (وَما نَحْنُ بِتارِكِي آلِهَتِنا عَنْ قَوْلِكَ) دليل على لجاجتهم ، لأنّ الإنسان العاقل والباحث عن الحقيقة يتقبل الكلام الحق من أيّ كان.
وخصوصا هذه الجملة (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) فإنّهم يتهمونه بالجنون على أثر غضب آلهتهم! فإنّ هذا الكلام منهم دليل على خرافة منطقهم ، وخرافة عبادة الأصنام!
فالحجارة والأخشاب التي ليس فيها روح ولا شعور والتي تحتاج إلى حماية من الإنسان نفسه ، كيف تستطيع أن تسلب العقل والشعور من الإنسان العاقل؟! أضف إلى ذلك ، ما دليلهم على جنون هود إلّا أنّه كسر طوق «السنة المتبعة