رأينا من قبل في قصّة نوح أنّه قبل شروع الطوفان كانت سفينة النجاة قد أعدّت للمؤمنين ، وقبل أن ينزل العذاب على قوم لوط ويدمر مدنهم خرج لوط وعدد معدود من أصحابه من المدينة ليلا بأمر الله.
وفي قوله تعالى : (نَجَّيْنا) وتكرار هذه الكلمة في الآية مرّتين أقوال مختلفة للمفسّرين، فـ «نجينا» الأولى تعني خلاصهم من عذاب الدنيا و «نجّينا» الثّانية تعني نجاتهم في المرحلة المقبلة من عذاب الآخرة ، وينسجم هذا التعبير مع وصف العذاب بالغلظة أيضا.
ويشير بعض المفسرين إلى مسألة لطيفة هنا ، وهي أنّ الكلام لما كان على رحمة الله فمن غير المناسب أن تتكرر كلمة العذاب مباشرة ، فأين الرحمة من العذاب؟ لذلك تكررت كلمة «نجينا» لتفصل بين الرحمة والعذاب دون أن ينقص شيء من التأكيد على العذاب.
كما ينبغي الالتفات إلى هذه المسألة الدقيقة أيضا ، وهي أنّ آيات القرآن وصفت العذاب بالغليظ في أربعة موارد (١).
وبملاحظة تلك الآية بدقّة نستنتج أنّ العذاب الغليظ مرتبط بالدار الأخرى ، وخصوصا الآيات التي جاءت في سورة ابراهيم وذكر فيها العذاب الغليظ ، فإنّها تصف بصراحة حال أهل جهنّم وأهوالها ، وهكذا أن يكون ، وذلك لأنّ عذاب الدنيا مهما كان شديدا فإنّه أخفّ من عذاب الآخرة!
وهناك تناسب ينبغي ملاحظته أيضا ، وهو أن قوم عاد ـ كما سيأتي بيان حالهم إن شاء الله ـ ورد ذكرهم في سورة القمر. والحاقة ، وكانوا قوما ذوي أبدان طوال خشنين ، فشبّهت أجسامهم بالنخل ، ولهذا السبب كانت لديهم عمارات عالية عظيمة ، بحيث نقرا في تاريخ ما قبل الإسلام أن العرب كانوا ينسبون البناءات الضخمة والعالية إلى عاد ويقولون مثلا : «هذا البناء عادي» لذلك كان عذابهم
__________________
(١) وهي في السور التالية : ١ ـ ابراهيم ، الآية ٧ ؛ ٢ ـ لقمان ، الآية ٣٤ ؛ ٣ ـ فصلت ، الآية ٥٠ ؛ ٤ ـ هود ، الآية ٥٦.