ومن فصول رسالته التي كتب بها عن أبي حفص ، وهي التي أورثته الكتابة العليّة والوزارة كما تقدم قوله (١) :
«كتبنا (٢) هذا من وادي ماسة بعد ما تزحزح (٣) أمر الله الكريم ، ونصر الله المعلوم (٤)(وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)(٥) فتح بمسرى (٦) الأنوار إشراقا ، وأحدق بنفوس المؤمنين إحداقا ، ونبّه للأماني النّائمة جفونا وأحداقا ، واستغرق غاية الشكر استغراقا ، فلا تطيق الألسن كنه (٧) وصفه إدراكا ولا لحاقا ؛ جمع أشتات الطبّ (٨) والأدب ، وتقلّب في النعم أكرم منقلب ، وملأ دلاء الأمل إلى عقد الكرب (٩) : [البسيط]
فتح تفتّح أبواب السماء له |
|
وتبرز الأرض في أثوابها القشب |
وتقدّمت بشارتنا به جملة ، حين لم تعط الحال بشرحه مهلة. كان أولئك الضالّون المرتدّون قد بطروا عدوانا وظلما ، واقتطعوا الكفر معنى واسما ، وأملى لهم الله ليزدادوا إثما ؛ وكان مقدّمهم الشّقي قد استمال النفوس بخزعبلاته ، واستهوى القلوب بمهولاته ، ونصب له الشيطان من حبالاته ، فأتته المخاطبة (١٠) من بعد وكثب ، ونسلت إليه الرسل من كل حدب ، واعتقدته الخواطر أعجب عجب ؛ وكان الذي قادهم لذلك (١١) ، وأوردهم تلك المهالك ، وصول من بتلك (١٢) السواحل ، ممّن ارتسم برسم الانقطاع عن الناس ، فيما سلف من الأعوام ، واشتغل على رغمه (١٣) بالصيام والقيام ، آناء الليل (١٤) والأيام ، لبسوا الناموس أثوابا ، وتدرّعوا الرياء جلبابا ، فلم يفتح الله لهم إلى التوفيق (١٥) بابا».
ومنها في ذكر صاحبهم (١٦) :
__________________
(١) الرسالة في نفح الطيب (ج ٧ ص ١٧٨).
(٢) في النفح : «كتابنا».
(٣) في النفح : «ما تجدّد».
(٤) في النفح : «المعهود المعلوم».
(٥) سورة آل عمران ٣ ، الآية ١٢٦.
(٦) في النفح : «فتح بهر الأنوار».
(٧) في النفح : «لكنه».
(٨) في النفح : «الطلب».
(٩) البيت لأبي تمام وهو في ديوانه (ص ١٤).
(١٠) في النفح : «المخاطبات».
(١١) في النفح : «إلى ذلك».
(١٢) في النفح : «من كان بتلك».
(١٣) في النفح : «على زعمه بالقيام والصيام».
(١٤) في النفح : «الليالي».
(١٥) في النفح : «بالتوفيق».
(١٦) هو محمد بن عبد الله الماسي المدّعي للهداية ، كما جاء في النفح ، وكما تقدّم عنه قبل قليل.