لشاكلته ما جرى برزت لترى : [الطويل]
فلم تلق فيها (١) غير خمس قوائم |
|
وأشلاء لحم تحت ليث سخايل |
يحطّ على أعطافه وترائبه |
|
بكفّ حديد النّاب صلب المفاصل |
أعظم من وجد إلى تلك الآفاق ، التي أطلعت وجوه الحسن والإحسان ، وسفرت عن كمال الشرف ، وشرف الكمال عن كل وجه حسان ، وأبرزت من ذوي الهمم المنيفة ، والسّير الشريفة ، ما أقرّ عين العلياء ، وحلّى جيد الزمان ، فتقوا للعلم أزهارا أربت على الروض المجود ، وأداروا للأدب هالة استدارت حولها بدور السّعود ، نظم الدهر محاسنهم حليّا في جيده ونحره ، واستعار لهم الأفق ضياء شمسه وبدره ، وأعرب بهم الفخر عن صميمه ، وفسح لهم المجد عن مصدره ، فهم إنسان عين الزمان ، وملتقى طريقي الحسن والإحسان ، نظمت الجوزاء مفاخرهم ، ونثرت النّثرة مآثرهم ، واجتلبت الشّعرى من أشعارهم ، وطلع النور من أزرارهم ، واجتمعت الثّريّا لمعاطاة أخبارهم ، وودّ الدّلو لو كرع في حوضهم ، والأسد لو ربض حول ربضهم ، والنعايم لو غذّيت بنعيمهم ، والمجرّة لو استمدّت من فيض كرمهم ، عشق المسك محاسنهم فرقّ ، وطرب الصبح لأخبارهم فخرق جبينه وشقّ ، وحام النّسر حول حمامهم وحلّق ، وقدّ الفخار جدار محامدهم وخلّق ، إلى بلاغة أخرست لسان لبيد ، وتركت عبد الحميد غير حميد ، أهلّ ابن هلال لمحاسنهم وكبّر ، وأعطى القارئ ما زجر به قلمه وسطّر ، وأيس إياس من لحاقهم فأقصر لما قصّر.
ومنها : فما للوشي تألّق ناصعه ، وتأنّق يانعه ، بأحسن ممّا وشته أنفاسهم ، ورسمته أطراسهم ، فكم لهم من خريدة غذّاها العلم ببرّه ، وفريدة حلّاها البيان بدرّه ، واستضاءت المعارف بأنوارهم ، وباهت الفضائل بسناء منارهم ، وجلّيت المشكلات بأنوار عقولهم وأفكارهم ، جلّوا عروس المجد وحلّوا ، وحلّوا في ميدان السيادة ونشأوا ، وزاحموا السّهى بالمناكب ، واختطّوا التّرب فوق الكواكب ، لزم محلّهم التّكبير ، كما لزمت الياء التّصغير ، وتقدّموا في رتبة الأفهام ، كما تقدّمت همزة الاستفهام ، ونزلوا من مراتب العلياء ، منزلة حروف الاستعلاء ، وما عسى أن أقول ودون النهاية مدى نازح ، وما أغنى الشمس عن مدح المادح ، وحسبي أن أصف ما أعانيه من الشوق ، وما أجده من التّوق ، وأعلّل نفسي بلقائهم ، وأتعلّل بالنّسيم الوارد من تلقائهم ، وإن جلاني الدهر عن ورود حوضهم ، وأقعدني الزمان عن اجتناء روضهم ، فما ذهب ودادي ، ولا تغيّر اعتقادي ، ولا جفّت أقلامي عن مدادهم ولا
__________________
(١) كلمة «فيها» ساقطة من الأصل ، وقد أضفناها ليستقيم الوزن والمعنى.