قال ابن الصيرفي : ولمّا قدم غرناطة أقبل على صيام النهار ، وقيام الليل ، وتلاوة القرآن ، وإخفاء الصّدقة ، وإنشاء العدل ، وإيثار الحق.
دعابته : قالوا : مرّ يوما بمرج القرون ، من أحواز قلعة يحصب ، فقال لزمّال من عبيده كان يمازحه : هذا مرجك ؛ فقال الزمّال : ما هو إلّا مرجك ومرج أبيك ، وأما أنا فمن أنا؟ فضحك وأعرض عنه.
دخوله غرناطة : قالوا (١) : وفي عام ثلاثة وعشرين وخمسمائة ، ولّي الأمير أبو محمد تاشفين بن أمير المسلمين عليّ بن أمير المسلمين يوسف ، ووافاها في السابع عشر (٢) لذي حجة ؛ فقوّى الحصون وسدّ الثغور وأذكى العيون (٣) ، وعمد إلى رحبة القصر ، فأقام بها السقائف والبيوت ، واتخذها لخزن السلاح ومقاعد الرجال ، وضرب السّهام ؛ وأنشأ السّقي ، وعمل التّراس ، ونسج الدّروع ، وصقل البيضات والسيوف ، وارتبط الخيل ، وأقام المساجد في الثغور ، وبنى لنفسه مسجدا بالقصر ، وواصل الجلوس للنظر في الظّلامات ، وقراءة الرّقاع ، وردّ الجواب ؛ وكتب التوقيعات ، وأكرم الفقهاء والطلبة ، وكان له يوم في كل جمعة ، يتفرّغ فيه للمناظرة.
وزراؤه : قال أبو بكر : وقرن الله به ممّن ورد معه ، الزبير بن عمر اللّمتوني ، ندرة الزمان كرما وبسالة ، وحزما وأصالة ، فكان كما جاء في الحديث عن رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : «من ولّي شيئا من أمور المسلمين فأراد الله به خيرا ، جعل الله له بطانة خير ، وجعل له وزيرا صالحا ، إن نسي شيئا ذكّره ، وإن ذكره أعانه».
عمّاله : الوزير أبو محمد الحسين بن زيد بن أيوب بن حامد بن منحل بن يزيد.
كتّابه : الرئيس العالم أبو عبد الله بن أبي الخصال ، والكاتب المؤرّخ أبو بكر الصيرفي وغيرهما (٤).
ومن أخبار جهاده : خرج (٥) الأمير تاشفين في رمضان عام أربعة وعشرين وخمسمائة بجيش غرناطة ومطوعتها ، واتصل به جيش قرطبة إلى حصن السّكّة من عمل طليطلة ، وقد اتخذه العدو ركابا لإضراره بالمسلمين ، وشحنه وجمّ به شوكة
__________________
(١) النص في البيان المغرب (ج ٤ ص ٨٠) وبعضه في الحلل الموشية (ص ٩٠).
(٢) في البيان المغرب : «في السابع والعشرين».
(٣) في البيان المغرب : «العيون على العدو ...».
(٤) في الأصل : «وغيرهم».
(٥) قارن بالبيان المغرب (ج ٤ ص ٨٣ ـ ٨٦).