المذكور يوسف بن أبي حم موسى بن يوسف الزياني منسلخ جمادى الأولى سنة خمس وتسعين من الثامن (١) فجنّد الجنود وعقد الألوية والبنود. فلم تسامحه (ص ١٣١) / الأيام في ملكه بامتداد الأوان بل أوغرت عليه صدور بني مرين ففوّقوا له سهم أخيه أبي زيان ، فخلعه لعشرة أشهر مضت من أيامه ، وتركته مخاصما مع أحلامه ، وذهب لبني عامر واستقرّ في أمان فوجه له من جرّعه كأس الحمام وكما تدين تدان.
ثم تولى أبو زيان المار غرة ربيع الثاني سنة ست وتسعين من الثامن (٢) وتولّع بالعلم فلم تخل حضرته من مناظرة ، ولا عمرت إلّا بمذاكرة ومحاضرة ، فلاحت للعلم في أيامه شموس ، وارتاحت للاستغراق فيه نفوس بعد نفوس ، وصنّف كتابا نحا فيه منحا التصوف سمّاه : كتاب الإشارة في حكم العقل بين النفسين المطمئنة والأمارة ، ونسخ بيده نسخا من القرآن ونسخا من الشفا لأبي الفضل القاضي عياض ونسخة من صحيح البخاري وحبّسها كلّها بخزانته التي بمقدّم الجامع الأعظم بتلمسان وأتته هدية من ملك مصر أبي سعيد برقوق فوجّه له هدية جليلة ومعها قصيدة لامية من نظمه عدد أبياتها خمس وستون بيتا مطلعها :
لمن الركاب سيرهنّ خميل |
|
فالصّبر إليّ بعدهنّ جميل |
وانظر تمامها في نظم الدرر والعقيان للتنسي ، ولم يزل في دار ملكه مطاعا مديد الاطناب ، مهابا مرهوب الجناب ، إلى سنة واحد من التاسع (٣) تحرك عليه لتلافته ، أخوه أبو محمد عبد الله مستجيشا ببني مرين وكثيرا من أهل الوطن ففرّ منه وانخلع من خلافته ، وتوجه للمشرق يلتمس معينا أو منجدا ويطلب ناصرا ومؤيدا ، والدهر يمنيه بالآمال المكذوب ويعده مواعد عرقوب. وهو في العرب والبرابر يتقلب من فئة لفئة ، ودام إلى سنة خمس وثمانمائة (٤) سنة ، فاغتاله محمد
__________________
(١) الموافق ١٣ أبريل ١٣٩٣ م.
(٢) الموافق ٣ فيفري ١٣٩٤ م.
(٣) الموافق ١٣٩٨ ـ ١٣٩٩ م.
(٤) الموافق ١٤٠٢ ـ ١٤٠٣ م.