وبات النصارى ليلتهم في موضعهم فلما كان قبيل صبيحة يوم الأحد رجعت الدائرة عليهم وهزمهم الله وكسرت لهم / السفن وفشا فيهم القتل والجراحات (ص ١٩٤) وأثخن فيهم المسلمون إثخانا عظيما إلى أن علا دمهم على البحر ومات منهم ما لا يحصى عدده إلا الله تعالى ورجعوا مغلولين خائبين لم ينالوا خيرا واستشهد من المسلمين نحو أربعمائة جعلت لهم مقبرة بإزاء عين الربط (١) وبقيت عظام النصارى ماثلة في رمال الحراش أعصرا وقد حضر لهذه الواقعة المنصور بالله أبو الفتوحات سيدي محمد بن عثمان باي الإيالة الغربية وتلمسان ثاني بايات وهران ، بعسكره فظهر من إقدامه واعتنائه مقامات تعدّ من مفاخر دولته وذكر أنه آخر الأيام. ثم غزوها أيضا سنة سبع وتسعين ومائة وألف (٢) فهدموا بالبونبة أزيد من مائتي دار وطلبوا الصلح فلم يجابوا ورجعوا خائبين. ثم غزوها أيضا السنة التي بعدها فزحف لهم المسلمون في البحر وردوهم على أعقابهم فرجعوا بلا طائل. ثم جاؤها أيضا سنة تسع وتسعين من القرن المذكور طالبين الصلح في الحال ، باذلين القناطير من الأموال ، راضيين بدخولها للتجر لما أيّسوا من الظفر وقدموا في ذلك علجة على عادتهم فانبرم الصلح بينم وبين المسلمين كل ذلك أيام الباشا محمد دولاتلي (٣) مات رحمهالله سنة خمس من القرن الثالث عشر أيام السلطان سليم ابن السلطان مصطفى العثماني. والحاصل أن الجزائر كانت قبل بنا بلكّين الصنهاجي لها اخصاصا وكان بنوا مزغنة وأكثر متيجة يؤدون الخراج للإسبانيين ولما بناها بلكّين الصنهاجي وحصنها بالأسوار وأنزل بها الجيوش قصرت النصارى عن عادتهم ورضوا بدل الخراج بالبيع والشراء معهم وهم ببرج المرسى الذي بالبحر. ولم يزل خير الدين لما تولى يحاصره ويقاتله ويصالحه إلى أن فتحه عنوة سنة ثمان وأربعين وتسعمائة كما مرّ (٤) وأول غزو النصارى لها بعد استيلاء الأتراك عليها
__________________
(١) مكانها اليوم ساحة أول ماي بالتقريب.
(٢) الموافق عام ١٧٨٣ وهي الحملة التي قادها الضابط أنطونيو دوبار سولو كما قاد الحملة الثانية في العالم الموالي ١٧٨٤ م.
(٣) ثم إبرام الصلح بين الجزائر وإسبانيا يوم ١٤ جوان ١٧٨٦ م.
(٤) بني بلكين مدينة الجزائر في القرن الرابع الهجري ، وبنى الإسبان قلعة البنيون أمامها داخل البحر عام ١٥١١ ـ ١٥١٢ ودفع بنو مزغنة الجزية للإسبان في الفترة من ـ