والسبي وحلّ بهم تطريقه ، حتى عرف بالموضع الذي وقع به ذلك للآن بشعبة النواح ، لكثرة نوح الناس بالبكاء على أنفسهم وأهلهم وما بهم من الفراح. وكان الولي أبا عمامة الغربي تلميذ أبي دية قبل الواقعة يقول وهو في خلوته : مزينكم يا حواض السماء لو كان فيكم الماء لأن كل من فرّ لأحواض السماء وهو الجبل المطل على طلقة العلوج وسيق نجا ، وكل من / ذهب لغيره حلّ به ما يرتجا (ص ٢٤٨) (كذا) ، وصارت جنوده المفسدة الذميمة الوافرة العدد الجسيمة ، ما تمرّ بموضع إلا تركته وحشا ، مهانا ووجهه وخشا ، وكان قدومه لوهران في الصيف في أبّان الحصاد ، فسارت إليه وأطاعته جميع العباد لا عربي ولا مخزني ، ولا شريف القدر ولا دني ، خشية منه على زرعهم ومالهم وضرعهم ، لكون الجنود مضنة الفساد ، والضلال والنكاد ، لا سيما عادة الجنود السلطانية المتوّجة بالتّيجان الشيطانية ، فلم ينفع ذلك من دخل في طاعته ، ولا من أتاه للخلاص ببضاعته ، بل سلّط من شدة ظلمه أتباعه ، على من انتسب للمخزن فأكثر إيقاعه ، فأخذوا ماله ونهبوه وسبوا أولاده ، وتركوا حيارى زوجه وأفراده ، فحرقوا ونهبوا وقتلوا وأسروا وسبوا ، وصار المستغيث بهم كالمستغيث في الرمضاء بالنار ، أو السفيه في القفار. فكانوا أهلا بقول الشاعر ، الحاذق الماهر :
فالمستغيث بالسفيه عند كربته |
|
كالمستغيث في الرمضاء بالنار |
ولم ينج من وقائعهم الرذيلة إلّا من نجاه الله منهم أو لجأ إلى بعض المواضيع الممتنعة عنهم. قال : ثم ارتحل ونزل ضواحي وهران بقربها في المشتهر ، وصبحها بجنوده كأنها الجراد المنتشر ، طامعا في دخولها وأخذ ذخائرها ، وتزوج نساء أكابرها ، كطمع جنوده بذلك لضعف أهلها في زعمه عن دفع ذلك ، مستحلّين ذلك لضعف مذاهب الأعراب ذات الفعل القبيح الخائضة مع كل ريح ، وما ذلك إلا لضعف عقولهم وقساوة قلوبهم ، وشدة جهلهم وكثرة لعوبهم وزلّة أقدامهم ورؤوسهم ، واتباعهم هواهم وما سوّلته لهم أنفسهم في قيامهم وجلوسهم ، وشدة حسن ظنهم بأميرهم ، ولا فرق بين كبيرهم وصغيرهم جازمين أن كلمته لا تردّ ، وأن دعاءه مستجاب في كل واحد ، فاستعدّ / للقائه (ص ٢٤٩) أهل البلد ، وتهيّوا (كذا) لقتاله بكل مرصد وخرجوا لمبارزته ومكافحته ومنابزته ، ومحاربته وقتاله ، ومناطحته ونزاله ، فقاتلوا شديدا مددا وهم مع ذلك أقل منه