ولا خير في خلف إذا لم يتبع السلف ، ولا في الرجل إذا لم يتبع أباه ولخصاله يقتف ، والورقة من الشجرة ، والنار من الزناد والحجارة. وقال فعند ذلك اتفق رأيهم على تحصين البلاد بكل الأدوار ، وإقامة آلة الحرب وما يئول (كذا) إليه الحصار ، وأتقنوا أمرهم غاية ، واستعدوا للعدو بدءا ونهاية. ولما استولى الدرقاوي على المحلة وعزّ جانبه في كل قرية وحلّة ، واتصف بالمزية ، كتب بالبشائر والتهاني لجميع الرعية ، قائلا لهم بقوله الذي بان لهم فيه النصيحة والمعونة ، أننا نزعنا عنكم ما كنتم فيه من الحقر والذلة والمسكنة ، وأداء المغارم والجزية الثقيلة ، والمؤن الكثيرة الجليلة ، الذي جميع ذلك هو حرام ، على من انتظم بالدخول في سلك الإسلام ، وقد قطعنا دابر الترك الظلام ، وأتباعهم الشّرار اللئام. فالواجب عليكم مبايعتنا والإذعان لنا وطاعتنا ، فوافقه على ذلك (ص ٢٤٧) جمّ غفير ، وعدد كثير / فاجتمع عند ضحى يوم الجمعة ، ثالث عشر ربيع الأول تلك السنة (١) ذات القصعة ، ما لا يحصى عده ، ولا يستطاع دفعه ورده ، من رعايا الباي ، من ذوي العقول الفاسدة الرأي ، فمرّ بغريس الشرقي والألوية على رأسه في غاية الخفقى ، إذا به سمع امرأة تنادي على أخرى تركية ، وكان ذلك اسمها في المحكية ، فأنف من ذلك وأبدل اسمها فورا بعربية ، وقال ما عدونا إلّا الترك بأتباعهم وحشومهم وأشياعهم. ثم دخل المعسكر فأطاعوه ، ما بين طوع وإكراه بايعوه وما داعوه فصيرها دار ملكه وسكناه ، وجمع بها أهله وأولاده وجعلها مثواه. وقد ألفى بها وقتئذ الفارس القائد أبا محمد بالحضري بن إسماعيل البحثاوي نسبا ، الدايري (كذا) مرتبا ، قد كان الباي بعثه لها لبعض شئونه ، وقضاء مطالبه ومؤنه ، فتقبّض عليه كغيره من القواد وسجنه ، وكبّله ومهنه. وهزم جيشه خليفة الباي مصطفى ببلاد مجاهر في ربيع الثاني من تلك السنة (١) هزيمة شنيعة ، وقتلوا العسكر ونهبوا المحلة ذريعة. ثم خرج من المعسكر بجيوش كالجرذ أن تملأ الخراب والعمران ، قاصدا بها فتح وهران. ولما حلّ بسيق بأرض الغرابة ، فرّ منه أهلها بعضهم للجبال وبعضهم للغيب والأماكن المتوعرة الشعابة ، ومن دخل منهم لغابة الجيرة التي هي طريقه أوقع بهم عظيما ما بين القتل والأسر
__________________
(١) ١٢١٩ ه الموافق ٢٢ جوان ١٨٠٤ م.
(١) ١٢١٩ ه الموافق ٢٢ جوان ١٨٠٤ م.