والعدوّ في العدد ألوف الألوف. قال فلم يكن غير ساعة وإذا بالدرقاوي بجيوشه قائم شارد ، وللنجات (كذا) سائل ونائد وأظلم الجو الغبار ، وتكادر الأمر وكبر النهار ، وغضبت فرسان المخزن وصارت حائمة كأنها الطيور ، تخوض بين أسراب الزرزور ، فلا ترى في جيش الدرقاوي إلّا القتيل والمأسور ، والمسلوب من الباس ، والمقطوع الأعضاء والراس ، وزادوا في الحملة إلى قرب قرية الولي الكبير الغوث القطب الشهير ، ذي المناقب المعدودة ، سيدي محمد بن عودة ، فرجع المخزن بعد ذلك عنهم ، وقلوبهم شائقة إلى الظفر بهم والغنيمة منهم. ثم رحل الباي في صبيحة غد متوجها للقرية المذكورة ذات المسالك في طلب الدرقاوي ونزل بموضع هناك ، ثم زحف للقرية بجنود لا قبل لهم في حالة القتال ، وكان بالقرية أمم لا تحصى فلم تغن شيئا حالة النّزال ، ودخلتها العساكر وجالوا فيها وجاسوا ما لها من الحلال ، وأخذوا في السبي والقتل وأخذ الأموال. قال / صاحب در الأعيان وإني رأيت امرأة مقطوعا رأسها كسائر الرجال ، ولم ينج (ص ٢٥٩) إلّا من فرّ ولجأ لضريح سيدي محمد المشار إليه بالإجلال ، لكون الباي أوصى باحترامه وعدم التعرض لمن لجأ إليه بحال من الأحوال. ثم ركزت الأتراك سناجقها لدى الضريح ، وشرعت في القتل والنهب والسبي والجريح ، إلى أن فرغت من ذلك في المأثور ، فرجعت لزيارة الولي المذكور ، قال ولقد أخبرني من أثق به أنهم قدّموا قبل الزيارة صدقة تنيّف على المائتي ريال دراهم ، وبعد ذلك على الزيارة حصل التداهم ، قال وأما المخزن فإنهم لقوا جموع درقاوة خارجا من القرية وهم في عددهم ألفية ، فقاتلوهم قتالا شديدا إلى أن جرح الأكثر من الكبراء والرؤساء في القول الأشهر ، وكان النصر لهم على درقاوة كوقوع الدائرة عليهم ، فهزموهم عظيما واطرحهم من تلك الناحية من غير ملتفت إليهم. ولما افترق الحرب أمر الباي بجمع الرؤوس فجمعت ، وبين يديه وضعت. قال في در الأعيان ولقد رأيت الجندي يأتي بالثلاثة والأربعة رؤوس بالعيانة فيضعها بين يدي الباي كما يضع البصل بالإهانة. ومنهم من يأتي بالواحد والاثنين ، كل على حسب ما رزق من القطع بدون مين ، ولما جمعت الرؤوس بعثها الباي لمدينة المعسكر مع بشائر الظفر والنصر.