ليخلصهم بجيشه المنصور من الظالم الدرقاوي فركب عند ذلك عجلا وسار حثيثا ، وسأل من مولاه جل جلاله أن يكون له ناصرا ومغيثا ، إلى أن وصل لذلك الموضع الذي به الدرقاوي على التحقيق. وكان السيد أحمد بن الأحرش قدم في ذلك اليوم من المشرق على درقاوة فحصل لهم به الفرح والسرور وعلموا أنه هو المعين الرفيق. فقسّم الباي جيشه ثلاثا بلا مين ، وجعله قلبا وجناحين ، فالجناح الأيمن جعل فيه باختراعه أعيان الزمالة وأتباعهم والحشم بأحكام الأوامر ، وأمرهم أن يكونوا في مقابلة جيش بني عامر ، والجناح الأيسر جعل فيه الخليفة بجيشه والبرجية الدارئين (كذا) للمساوي وأمرهم أن يكونوا في مقابلة الدرقاوي ، والقلب استقر فيه هو وأعيان الدوائر وأتباعهم وعساكر الأتراك وأصحاب المدافع ، فكانوا في مقابلة عامة العامة من غير منازع ، ولما تراء الجمعان وجاء الوطيس تزاحفت لبعضها بعضا الصفوف وكان الدرقاوي في ألوف الألوف ، فاشتد القتال وحام الوطيس ، وفقد المألوف والأنيس ، وكثر الصياح / (ص ٢٦٨) والحسّ والحسيس ، وأظلم الجو بالغبار ، وعظمت فيه المصيبة وكبر النهار. فبينما الناس في تلك الشدائد ، وإذا بالجناح الأيسر قام على ساق واحد ، وصبر رجال البرجية صبر الكرام ، واشتدّ ضربهم بالبنادق والحسام ، وتذكروا صبر أسلافهم وما كانوا عليه من ضرب الحسام ، وقالوا : في مثل هذا اليوم تظهر الشجاع من اللئام (كذا) ، إلى أن ذاق أربعة من كبرائهم كأس الحمام ، أحدهم الصنديد مصطفى بن المخفي ، والد الشجاعءاغة قدور بالمخفي ، والثلاثة أبناء عمه الأماجد ، وداموا على ذلك إلى أن قام درقاوة على ساق واحد ، فانهزموا هزيمة كبيرة ، تقشعوا فيها تقشع الغمام إذا طلعت فيه شمس منيرة ، وركب المخزن عند ذلك ظهورهم وغنمهم ونال دخورهم ، ولا زال يقتل ويأسّر (كذا) ويسبي إلى وقت الظهر ودرقاوة قلّوا ، بعد ما كلت الناس من قتلهم وملوا ، فبقيت نجوعهم على حالها بيد المخزن فأخذ أموالهم وسبا (كذا) نساءهم وأولادهم وقتل رجالهم ، فاضمحلوا من ذلك اليوم وفشل ريحهم ، وتلاشوا وبطل ريحهم وخاب سعيهم ونجيحهم. قال ولولا فرسان البرجية ورجالهم الكرام في تلك الواقعة لكانت الدائرة على المخزن بالجمع والتمام ، ولمّا رءا (كذا) الدوائر (كذا) صبر البرجية وموت كبرائهم ، وقد ذهبت الناس فارّة إلى ورائهم ، تقدموا