الشقاوة ، في حروب الترك مع درقاوة ، لأديب عصره وفريد وقته ودره ، الشبيه في أدبه بالبارع أبي نواس ، المؤلف العلامة الحافظ محمد أبي راس ، فلا نأتي بها لطولها وشهرتها وتحقيقها في رسوم جفرتها ، ومن أرادها فعليه بالكتاب المذكور ، للحافظ القدوة المزبور. فخرج لهم من وهران بالأمم الكثيرة ، والجيوش العديدة الغزيرة وقد بلغ لهم الخبر ، بأن الباي غازيا عليهم ليقطع الدابر والأثر ، فبعثوا للدرقاوي على المدد بأنواع الشدائد ، فبعث لهم خليفته الفارس بن المجاهد ، وكان بطلا شجاعا شديد الرأي والقساوة ، قلّ مثله في طائفة درقاوة لكونه تربى في المخزن وأخذ ببعض قوته ، وصبره وشجاعته ، وشدته ، وزاد الباي في سيره إلى أن دخل بلدهم الذي هم فيه ، وقد انحاز مجاهر بأسرهم لواد الرمال واجتمعوا فيه ، فطلبهم الباقي فيه وحملت عساكره عليهم حملة واحدة ففرّوا منها ولقيهم البحر وأثخن فيهم المخزن بالقتل إلى أن رجعت دماؤهم سائلة بعد أن كانت جامدة ، واشتد بهم القتل من ورائهم وأثخن فيهم إثخانا شديدا لا طاقة لأحد على إحصائه ، (ص ٢٦٧) ودام عليهم إلى أن وصل دم قتلاهم للبحر فعلا عليه / واختلط بمائه ، وأفناهم إفناء عظيما أذعنوا به للطاعة ولا ملجأ لهم من أمامهم ، فكان هذا اليوم من أنحس الأيام عليهم ومن شرور أيامهم ، فأفناهم ورجع سالما ومسرورا بجنوده سرورا دائما ، ولمال عدوّه غانما.
ظهور بالحرش مع الدرقاوي في غريس
ثم استقر بوهران أياما قلائل ، وقد جمع الله له الأحوال والشمائل وجمع جيشا عظيما وخرج به لتدويخ المشرق فأتته الناس طائعة مذعنين له ولأوامره ونواهيه سامعة ، ولا زال سائرا إلى أن نزل بأبي خرشفة أسفل مليانة فأتاه هنالك الطائع والداوي ، فبينما هو كذلك إذا بالخبر بلغه بقدوم الدرقاوي ، وأنه حلّ من غريس بأرض عين السدرة ، ومعه درقاوة بنجوعها ونسائها وأولادها وجميع مالها ظاعنة معه بالقوة والقدرة ، وقد جالوا غريسا وجاسوا خلاله فأفسدوا زرعه واحتطبوا جنّته وبساتنه ، وغيروا مرونقه ومواطنه وهم كالجراد المنتشر ، ولم يبق لهم إلا القليل لدخول المعسكر ، وجاءه أهل غريس بذلك الخبر ، وترددوا عليه المرّة بعد المرة بعد الأخرى على ما للراوي ، محرضين له على القدوم إليهم