وشجاعة فرسانها وقوة أحوالها ، فأخذوهم أخذة رابية ، وصارت أموالهم لهم غنيمة مجابية ، ثم تحققوا بأنه باي الغرب ، لما رأوا في فرسانه من زيادة الطعن والضرب ، لا تكل لهم السواعد وليس لهم في الحرب إلّا الطعن والضرب للقائم والقاعد ، فكان من جملة ما سباه الباي بحيشه نساء شيخ عريب وأولاده ، وأقام ببلدهم يومه والسرور زاده.
ثم كر راجعا للمدية في طرب وابتسام ، فنزلها بعد مسيره ثلاثة أيام ، وقد تعرضت له في طريقه قبائل الطّمع ، الذي يفضي بصاحبه إلى النجع ، وهو سائر بين جبلين لأناس يقال لهم أولاد إعلان ، وإذا بهم ابتدؤا الجيش بالضرب في السر والإعلان ، فلما سمع الباي ضرب البارود. ورأى جيوشه حشودا بعد الحشود ، لا تفعل شيئا إلّا بأمره ليكون ذلك من فخره ، سأل عن ذلك تبليغا لمرادهم ، فأخبروه بأنهم يريدون منه الزطاطة لمروره ببلادهم وكانت تلك عادة الأعراب ، إذا لم يكونوا تحت القاهر الغلّاب ، فقال عليكم بهم لا عنهم ، وأيتوني بمن ظفرتم به منهم ، فلم يك غير ساعة إلّا والمخزن يجرّ في رؤوسهم ويقتل لمسعودهم ومنحوسهم ، وأتوه بعدة رجال فأمر بقطع أيديهم وقال لهم تلك الأجرة التي سألتمونيها ، فانصرفوا وهو يزيد بمزيدهم. ولما وصل إلى المدية أقام بها أياما للراحة وبعث السّبي والمال للجزائر صاحب الإحسان ، فرفعت مكانته عند الباشا رفعة عظيمة وكرّ راجعا لوهران. قال فلما وصلها مكث بها سائلا من مولاه الإعانة والسلامة والعافية ، وهو في فرح شديد بمخزنه سيما الأعيان السادات (ص ٢٧٧) الأسود / الضارية ، فصار لا يقدم ناره زناد ، وإنما تأجّجها على الدوام في ازدياد ، بجنده العزيز ، ومخزنه الأبريز. ثم أنه تحرك لأهل يبدر من أهل الساحل ، لقطع ما سمعه من جموع الدرقاوي الذي ببني يزناسن نازل ، فغزى صهره الشيخ أبا ترفاس ، لما سمع بالدرقاوي عنده على غفلة من الناس ، ولما سمع الدرقاوي بنهوض الباي إليه فرّ هاربا متذللا وأخلا الأرض بين يديه وافترقت من حينها جموعه وجاءته عجلة قواطعه وقموعه فزاد الباي للساحل وأخلا منه ما أخلا ، وقتل ما قتل وأجلا ما أجلا ، وخرّب قرية أبي ترفاس واحتطب أجنتها ، وسلط عليها أذاها ومنّتها ، ولما فعل بقرية الشيخ أبي ترفاس أفعال الشرور والإفلاس ، قال له أيها الباي لماذا فعلت بنا هذا ونحن من جملة ضعفاء الناس ، فقال له