الأتراك ، في غاية ما يكون من التدريج والاشتراك ، ثم صار تبّاغا يبيع الدخان ، ويتعاطى بيعه في السر والإعلان. قال فى در الأعيان في أخبار وهران ، وكان ذا عقل وافر وسياسة ، ورأي ناجح ورئاسة ، ولما رءاه الباي محمد الرقيق على تلك الحالة شغف بحبّه ، إلى أن أخذ بمجامع قلبه ، وظهر أنه لا يصلح لمصاهرته ألّا (ص ٢٩٦) هو ، وأنه هو الذي / يوافقه في الجد والهزل ، والذكر والسهو ، فقرّبه منه وأدناه وأولاه سرّه ومعناه ، وزوّجه من ابنته وصيره من جملته ، وشوّر ابنته بدرة بما لا له قيمة مثل الدرة اليتيمة والذهب والحرير ، والدراهم والدنانير ، وغير ذلك من الشورة والأمتعة فصار من حينه متسعا في غاية السعة ، وولّاه قائدا بفليتة ، وانضبطت أموره فليس لها تفليتة. قال صاحب در الأعيان ، وهو السيد حسن خوجة كثير المعاني والبيان ، وكنت كاتبا لأموره الشاملة ولازمته في الخدمة السنة الكاملة ، فلم أسمع قط منه جناحا ولا كلمة فحش ولا منا ولا فخرا ولا تكبرا ولا مزاحا ، وإنما يظهر منه من محاسن الأخلاق ، والتعبّد ما يرضّي المالك الخلّاق. قال وكان قليل الغضب كثير الرضى ، يمسح برؤوس اليتامى ويعيد المرضى كثير الترحّم والتودّد للفقراء والمساكين ، محبا للعلماء والشرفاء والأولياء والصالحين والمساكين ، مواضبا على الطهارة لا يتركها أصلا محافظا على الصلوات فرضا ونفلا ، مجالسا لأهل الفضل والعناية ، مجانبا لذوي السفاهة والجناية.
ثم ولاه خليفة الشرق لكنه لم يبلغ فيها مناه ، ولا توصّل إلى مرغوبه ومنتهاه ، بل وافق أمره فيها مخالفة صهره الباي محمد الرقيق لأهل الجزائر ، كما مرّ فعاقه العيوق عن تلك المراتب والمشاعر. ثم كان من أمر الله تعالى أنه بلغه إلى مكانة أرفع منها وأرقاه بايا والأولى أعرضه عنها. وقد قحط الورى قبل ولايته (ص ٢٩٧) فلم يمطروا ، ودام عليهم ذلك إلى أن تضرروا ، ولمّا ولّى عليهم أمطرهم / الله تعالى بمنّه وفضله ، وخفّ بعض غلاء الشعر الصادر بعدله. قال السيد حسن خوجة التركي في الكتاب المذكور ، وهو ذكر الأعيان المشهور ، ولذلك قلت فيه هذه الأبيات ، الدالة على كماله بالثبات ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وهو حسبي ونعم الوكيل ، وهي من بحر الطويل :
أيا معشر الإسلام دام سروركم |
|
بدولته من في الناس دولته ترضا |
أمير أتانا بعد ما قحط الورى |
|
فأمطرنا رب العباد به أرضا |