الأوس. مع أنهم هم أنفسهم قد نقضوا حلفهم مع محمد «صلى الله عليه وآله» وأعلنوا بذلك صراحة لسعد بن معاذ نفسه ، وقالوا له : أكلت (كذا) (١) أبيك. فهذا النقض للحلف ، الذي جرهم لهذا المصير الأسود ، قد كان سعد الطرف الرئيس فيه ، وقد حاول معالجته لصالحهم ، فلم يفلح ، وأظهروا من الخبث ما جعله يعرفهم على حقيقتهم ، ويطمئن لما هم فيه من سوء نية ، وخبث طوية. وها هم اليوم يطالبون سعدا بترميم ما نقضوه من عهد استنادا إلى عهد آخر.
لكن الفرق بين العهدين كالنار على المنار ، وكالشمس في رابعة النهار ، وكان سعد مدركا لذلك بلا ريب ، فإن عهدهم مع الأوس قد فرضته ظروفهم الجاهلية ، التي لا تتبنى العدل وقضايا الإنسان والإنسانية أساسا لما تبرمه من عهود أو تقوم به من تحالفات.
أما عهدهم مع النبي والمسلمين ، فقد فرضته قضية الإنسان ، وضرورات الحياة الكريمة ، والفاضلة ، والحرص على إنسانية الإنسان ، وبهدف إسعاده ، وإبعاد الشرور والآفات عنه.
تحكيم ابن معاذ لطف إلهي :
ولا ننسى هنا : أن تحكيم سعد بن معاذ بالذات له دلالته الهامة ، فإن ذلك من التوفيقات والألطاف الإلهية بالمسلمين ، وذلك من أكثر من جهة.
١ ـ فمن جهة كان سعد رئيس الأوس ـ بل كان سيد الأوس
__________________
(١) كلمة فاحشة يقبح التصريح بها ، تراجع في المصادر.