وقد عمل اليهود أنفسهم على تركيز هذا الإحساس القوي بالعنصر ، حتى كأنهم فوق جميع البشر ، وذلك من خلال ما انتهجوه من أساليب خادعة وماكرة لفرض هيمنتهم الثقافية على العرب ، بعد أن فشلوا فشلا ذريعا في صراعهم العسكري معهم.
وهذا في الحقيقة أمر امتحنهم الله فيه ، أظهر من خلاله ما يخفونه من روح حاقدة ومتكبرة ، ومتغطرسة وشريرة ، (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)(١). (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)(٢).
مفاوضة نباش بن قيس مع النبي صلّى الله عليه وآله :
وحين أيقن بنو قريظة بالهلاك ، بسبب رمي المسلمين لهم ، أنزلوا نباش بن قيس ، فكلم رسول الله «صلّى الله عليه وآله» ساعة ، وقال : يا محمد ننزل على ما نزلت عليه بنو النضير ، لك الأموال ، والحلقة ، وتحقن دماءنا ، ونخرج من بلادكم بالنساء والذراري ، ولنا ما حملت الإبل إلا الحلقة ، فأبى رسول «صلّى الله عليه وآله».
فقالوا : فتحقن دماءنا ، وتسلم لنا النساء والذرية ، ولا حاجة لنا فيما حملت الإبل.
فقال رسول الله «صلّى الله عليه وآله» : لا ، إلا أن تنزلوا على حكمي.
فرجع نباش إلى أصحابه بمقالة رسول الله «صلّى الله عليه وآله».
فقال كعب بن أسد : يا معشر بني قريظة : والله ، إنكم لتعلمون أن محمدا
__________________
(١) الآية ٤٣ من سورة فاطر.
(٢) الآية ٣٠ من سورة الأنفال.