حراجة الموقف والحكمة النبوية :
ومن الأمور التي تؤيد سعدا في اتهامه للمعارضين لحكمه ـ بأنهم لا خير فيهم حتى ولو كانوا من الأوس ـ : أن هؤلاء الناس قد اتخذوا ابن أبي أمثولة لهم ، واعتبروا أن الحكم على بني قريظة بما يسوءهم لا يعدو أن يكون عملا شريرا وسيئا.
ومن الواضح : أن هذا يشير إلى أن المعارضين للحكم كانوا عددا يسيرا معلوم الحال ، لا يوجب اتهامهم بذلك أي خلل في كيان الأوس ، ولا في تماسكهم ، ولا يحط من قدر الأوسيين ، ولا يذهب شرف جهادهم وكفاحهم من أجل هذا الدين.
وقد كان يمكن لنشاط هؤلاء القلة القليلة أن يكون مؤثرا في إثارة جو من التشكيك والبلبلة لولا حكمة رسول الله «صلى الله عليه وآله» في معالجة الموقف ، حيث إنه «صلى الله عليه وآله» قد أحرجهم ، وتخلص من إلحاحهم ، وأبعد شبح الخلاف والاختلاف ، وأفقدهم إمكانية التأثير على السذج والبسطاء حين جعل الحكم إلى رجل أوسي ، وبالذات إلى سعد بن معاذ ، الرجل الحكيم والفذ ، والسيد المطاع فيهم.
وقد أكد «صلى الله عليه وآله» على سيادة سعد ، وعلى موقعه ومكانته حين قال لهم : قوموا إلى سيدكم.
هل كذبوا؟ أم فهموا خطأ؟!
ويلفت نظرنا هنا قولهم لسعد : إن رسول الله قد ولاك أمر مواليك لتحسن فيهم .. مع أن النبي لم يوله أمرهم لذلك ، وإنما ليحكم فيهم بالحق.