يعطينا : أن قبول النبي «صلى الله عليه وآله» هذا المنطق منهم معناه : الإقرار منه «صلى الله عليه وآله» بالتعامل على أساس المنطق القبلي ، وتكريس حالة الانقسام فيما بين الحيين : الأوس ، والخزرج ، الذين لم يزل النبي «صلى الله عليه وآله» يعمل على إزالة الحساسيات من بينهم ، بل وصهرهم في بوتقة واحدة هي الإسلام. ثم إن ذلك معناه الفصل بين قضايا الدين ، وقضية القبيلة والفئة.
فالاستجابة لهم على أساس قبول منطق الأوس السابق يعتبر هدما لما بناه ، وتخليا عن الأسس التي لم يزل ينطلق منها لبناء المجتمع الإسلامي الناشئ.
وإذا كان سعد قد اعتبر المعترضين على حكمه مجموعة من المنافقين ، فكيف يمكن أن نتوقع من النبي أن يوافقهم على ما يريدون ، ويحقق لهم ما يشتهون؟
وقد أشار البعض أيضا : إلى هذه النقطة بالذات ، فقال : «يبدو أن الأوس الذين طلبوا التسامح مع بني قريظة اعتبروها غير وفية لمحمد ، وليس للأوس.
وهذا يعني : أن أنصار الشفقة كانوا يعتبرون أنفسهم قبل كل شيء أفراد الأوس وليس أفراد الأمة الإسلامية».
إلى أن قال : «لقد أدرك رجل بعيد النظر كسعد : أن السماح للعصبية القبلية بالتغلب على الولاء للإسلام يؤدي للعودة إلى الحروب الأخوية التي كانت تأمل المدينة بالتخلص منها بمجيء محمد» (١).
__________________
(١) محمد في المدينة ص ٣٢٨.