أخبار النوبة : ومسافة ما بين دنقلة إلى بلاد علوة أكثر مما بين دنقلة وأسوان ، وفى ذلك من القرى والضياع والجزائر والمواشى والنخل والشجر والمقل والزرع والكرم أضعاف ما فى الجانب الذى يلى أرض الإسلام.
وفى هذه الأماكن جزائر عظيمة مسيرة أيام ، وفيها الحيات (١) والوحوش ، ومفاوز يخاف فيها العطش ، وماء النيل ينعطف من هذه النواحى إلى مطلع الشمس وإلى مغربها مسافة أيام ، وهذا مكان يعرف بشنقير ، ومنه يخرج القمرى وفيه يكون فرس البحر.
قال [ق ٣٨٩] سيمون : صاحب عهد علوة ، أنه آحصى فى جزيرة سبعين دابة منها وهى فى خلقة الفرس غلظ الجاموس ، قصيرة القوائم ، لها خف ، وهى فى ألوان الخيل بأعراف وآذان صغار كأذان الخيل وأعناقها وأذنابها مثل أذناب الجواميس ، ولها صهيل كالخيل وأنياب لا يقوم حذاءها تمساح ، وتعترض لبعض المراكب فتغرقها ، ورعيها فى البر العشب ، وحافرها مشقوق كحافر البقر وهو يأكل التمساح أكلا ذريعا.
وأتفق أن بعض الناس نزل على شاطىء النيل ومعه حجرة ، فخرج من الماء فرس أدهم عليه نقط بيض ، فتراما على الحجرة فحملت منه وولدت مهرا عجيب الحلقة ، فطمع فى مهر آخر فجاء بالحجرة والمهر إلى ذلك الموضع ، فخرج الفرس من الماء وشم المهر ساعة ، ثم وثب فى الماء وتبعه المهر إلى الماء ، فصار الرجل يتعاهد ذلك المكلن كثيرا ، فلم يعد الفرس ولا المهر إليه.
قال المسعودى : والفرس يكون فى نيل مصر إذا خرج من الماء وإنتهى وطئه إلى بعض المواضع من الأرض ، علم أهل مصر [ق ٨٩] أن النيل يزيد إلى أن يبلغ ذلك الموضع بعينه وذلك عندهم لا يختلف لطول العادات والتجارب.
وفى ظهوره من البحر ضرر للغلات والزرع ، وذلك أنه يظهر فى الليل ينتهى إلى موضع من الزرع ، ثم يولى عائدا إلى الماء فيرى فى حال رجوعه من الموضع الذى إنتهى إليه مسيرة ، ولا يرعى من ذلك الذى قد رعاه فى ممره شيئا ، وإذا رعى وورد الماء وشرب منه ، ثم قذف ما فى جوفه فى مواضع شتى ، فينبت ذلك مرة ثانية.
وإذا كثر ذلك من فعله ، واتصل ضرره بأرباب الضياع طرحوا له شيئا من الترمس فيأكله
__________________
(١) وردت فى الأصل الجبال.