وقال ابن عبد الحكم عن الليث بن سعد قال : سأل المقوقس عمرو بن العاص أن يبيعه سفح الجبل المقطم بسبعين ألف دينار ، فتعجب عمرو بن العاص من ذلك ، وقال حتى أكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، فلما كتب بذلك إليه فكتب عمر بن الخطاب إلى عمرو ابن العاص سله لم أعطاك فيه هذا القدر وهو لا يزرع [ق ١٣٧ ب] ولا ينتفع فسأل المقوقس عمرو بن العاص عن ذلك ، فقال له المقوقس إذا نجد فى كتبنا أن فيه غراس الجنة : فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب فكتب إليه عمر بن الخطاب أنا لا نعلم غراس الجنة إلا المؤمنين فاقبر فيها من مات من المسلمين ، ولا تبعه شىء فكان أول من قبر فيها من المعافر رجل يقال له (١) عامر ، فقيل عمرت.
فقال المقوقس لابن العاص ما على هذا هم فقطع لهم الحد الذى بين المبرة وبينهم.
وذكر الكندى فى كتاب فضائل مصر أن عمرو بن العاص سار فى سفح الجبل المقطم ومعه المقوقس ، فقال له : ما بال جبلكم هذا أقرع ليس عليه نبات كجبال الشام فلو شققنا فى أسفله نهرا من النيل وعرسناه نحلا. فقال له المقوقس : وجدنا في الكتب أنه كان أكثر الجبال أشجارا ونباتا وفاكهة وكان منزله المقطم بن مصر بن بيصر بن مصريم بن حام بن نوح عليه السلام ، فلما كانت الليلة التى كلم الله فيها موسى عليه السلام «أوحى إلى الجبال إنى مكلم نبيامن أنبيائى على جبل منكم» فسمت الجبال كلها [ق ١٣٨ أ] وتشامخت إلا جبل بيت المقدس فإنه هبط وتصاغر فأوحى الله إليه لم فعلت ذلك ، وهو به أعلم. فقال اعظاما وإجلالا لك يا رب. قال فأمر الله سبحانه وتعالى إلى الجبال أن يحويه كل جبل بما فيه من الأشجار فجادله المقطم بكلما عليه من الأشجار حتى بقى كما ترى ، فأوحى الله إليه إنى مفوضك على فعلك هذا بغراس الجنة ، فعند ذلك أثر عمرو بن العاص أن يجعل له حد وللمسلمين حدا ، وهذا بقى إلي يومنا هذا عند بركة الحبش يدفن فيه النصارى واليهود.
قال : وروى أن موسى عليه السلام لما سجد فسجدت معه كل شجرة من المقطم إلى طرا وأن موسى كان يناجى ربه عند الوادى الذى مقطع الحجارة بطرا.
قيل أن عيسى ابن مريم عليه السلام مر بسفح المقطم عليه جبة صوف وأمه إلى جانبه فالتفت إليها وقال يا أمه هذه مقبرة أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
__________________
(١) هو عقبة بن عامر الجهنى ، كان فقيها علامة قارئا لكتب الله بصيرا بالفرائض فصحا مفوها شاعرا كبير القدر ، ولى إمره مصر لمعاوية ، ثم عزله واغزاه البحر سنة سبع وأربعين.