هذه المدينة على عشرين ميلا. فلم تزل هذه الأثار حتى أفسدها الطوفان ، ولما مات نقراوش الجبار ، وملك من بعده ولده عيقام وقد حكى عنه أهل مصر حكايات لا تصدقها العقول.
ويقال أن إدريس عليه السلام رفع في أيامه وأنه رأى فى علمه كون الطوفان فبنى خط الاستواء قصرا فى سفح جبل القمر من نحاس وجعل فيه خمسة وثمانين تمثالا من نحاس يخرج منها ماء النيل من حلوقها ويصب فى بطحاء حتى ينتهى إلى أرض مصر إلى عيقام هذا يعزى كتب القبط الذى فيها تواريخهم ، وجميع ما يجرى فى أواخر الدهر. ولما مات عيقام أقام من بعده ولده بمرياق ، ويقال له الأشيم فعمل أعمالا عجيبة منها شجرة من نحاس لها أغصان من حديد بخطاطيف ، إذا قرب منها ظالم أخذته بذلك الخطاطيف ولا تفلته حتى يقر بظلمه ، ويخرج منه لخصمه وعمل صنم من كدان أسود وسماه [ق ١٤٣ أ] عبد زحل كانوا يتحاكمون عنده ، فمن زاغ عن الحق ثبت مكانه ولم يقدر على الخروج حتى يرضى خصمه وإلا ثبت مكانه ولو أقام سنة ويقال كان فى زمانه من كانت له حاجة قام بالليل ونظر إلى الكواكب وتضرع وذكر اسم عرياق ، فإذا أصبح وجد حاجته على بابه وعمل شجره من حديد ذات أغصان ، فكانت تجلب كل صنف من أصناف الدواب والوحوش والسباع حتى يتمكن من صيدها فشبع الناس فى أيامه من لحم الوحوش ، وكان إذا أغضب على أهل أقليم سلط عليهم الوحوش والسباع.
ويقال أن هاروت وماروت كانا فى زمانه وكان يحب النساء الحسان ، فعملت عليه امرأة منهن وسميته فهلك وملك من بعده لوجيم ، وهو الذى أخذ الملك من عرياق بن عيقام ورده لبنى نقراوش بعد ما خرج عنهم. وكان عالما بالكهانة والطلسمات فعمل أعمالا عجيبة منها أن العربان كثرت فى أيامه وأتلفت الزرع عمل أربع نارات فى جوانب مدينة أمسوس وجعل على كل منارة صورة غراب فى فمه حية ، قد التوت عليه فنفرت عنهم [ق ١٤٣ ب] الطيور المضره من حينئذ ولم تقر بهم حتى زالت هذه المنارات بالطوفان ، وكان حسن السيرة منصفا للرعية عادلا ، ولما مات دفن فى ناووس ومعه كنوزه وعمل عليه طلسم تمنعه من أخذ إليه ، وملك بعده خصليم ، وكان فاضلا عالما كاهنا فعمل أعمالا عجيبة ، وهو أول من عمل مقياسا لزيادة ماء النيل وبناه الرخام وجعل فى وسطه بركة صغيرة فيها ماء موزون ، وعليها من جانبيها عقابان من نحاس أخرهما ذكر والآخر أثنى ، فإذا كان أول الشهر الذى يزيد فيه النيل عاليا وأن صفرت الأثنى ، كان النيل ناقصا فيستعدون لذلك وهو الذى بنى القنطرة ببلاد النوبة على النيل.