ولما مات دفن فى ناووس ومعه كنوزه وجعل عليه طلسم وملك من بعده ابنه هوصال. وكان فاضلا كاهنا عالما بالسحر والطلسمات ، فعمل عجائب منها :
أنه بنى مدينة وعمل فى وسطها صنم للشمس يدور بدورانها وبنيت مغربا ويصبح مشرقا ويعلم منه الدرجات والدقائق ، وكان نوح عليه السلام فى زمانه [ق ١٤٤ أ] وولد له عشرون ولدا ، وأقام فى الملك مائة وسبع عشرة سنة ولما مات ملك بعده ولده ندرسان. فلما ملك نفى جميع إخوته إلي المدائن الداخلة في المغرب ، واقتصر على حب النساء فأحب امرأة من بنات عمه وكانت ساحرة فعملت له قصرا من خشب منقوش فيه صور الكواكب وفرشته بأحسن الفرش وحمل على الماء. وصار يجلس فيه فبينما هو فيه ذات يوم إذ هبت ريح شديدة اضطرب الماء فانقلب تلك القصر وتكسر فغرق هو ومن معه فى ذلك القصر عن آخرهم. ولم يبق لهم أثر وملك بعده أخوه نمرود الجبار ، ويقال شمرود بن هو صال فكان حسن السيرة فانصف الرعية وبسط العدل فيهم وطلب امرأة أخيه الساحرة المقدم ذكرها ، ففرت هى وابنها إلى بلاد الصعيد وامتنعت عليه بسحرها وأقامت مدة فاجتمعت السحرة إلى ابنها ، وكان اسمه توميدون وحملوه علي طلب الملك فاقتتل هو وشمرود قتالا عظيما فانتصر على شمرود وقتله وملك من بعده وهو توميدون [ق ١٤٤ ب] تدرسان فأقام بمدينة أمسوس ، وكان عالما فاضلا فقوى بسحر أمه وعملت له أعمالا عجيبة منها قبة من زجاج على هيئة الكرة تدور بدوران الفلك وصورت فيها صورا الكواكب ، فكانوا يعرفون بها أسرار الطبايع فلما ماتت أمه الساحرة بعد ستين سنة خلت من ملكه فطلى جسدها بأشياء مفرده ودفنت تحت صنم القمر ، ويقال أنها كانت بعد موتها يسمع من عندها صوت بعض الأرواح ويخبرهم بعجائب ويغيب عما يشارك عنه. ولما مات أبنها توميدون عمل له صورة من زجاج مقسومه نصفين وأدخل جثته فيها بعد ما طلى بالأدوية المانعة من البلاء واطبقت عليه تلك الصورة الزجاج والتحمت ودفن فى هيكل الأصنام ، وكان يعمل له فى كل سنة وملك من بعده أبيه شرياق يعمل أعمالا عجيبة منها : أنه شق من النيل نهرا يمر إلى مدائن العرب وبنى عليه مدنا وآثارا كثيرة ، وملك مصر مائة وثلاثة وستين سنة. ولما مات عمل فى ناووس ومعه [ق ١٤٥ أ] أمواله وكنوزه وطلسم عليه ممن يقصده ، وملك بعده ابنه شهلوق ، وكان عالما خبيرا بالكهانة والطلسمات ، وهو أول من عبد النار وسبب ذلك أنه رأى أباه توميدون فى النوم وهو يأمره أن ينطلق إلى جبل من جبال مصر وهو معروف عندهم فإن فيه كوة على بابها أفعى لها رأسان إذا أقبل إليها إنسان كشرت فى وجهه فخذ معك طائرين من ذكر وأنثى