أطمعهم في الظفر ، وألاح لهم مبادئ النصر ، ليقضي الله أمرا كان مفعولا.
ولو لم يقذف الله تعالى في قلب رئيسهم مالك بن عوف أن سوقهم معهم هو الصواب لكان الرأي ما أشار به دريد ، فخالفه ، فكان ذلك سببا لتصييرهم غنيمة للمسلمين.
فلما أنزل الله تعالى نصره على رسوله وأوليائه ، وردّت الغنائم لأهلها ، وجرت فيها سهام الله تعالى ورسوله ، قيل : لا حاجة لنا في دمائكم ، ولا في نسائكم وذراريكم ، فأوحى الله تعالى إلى قلوبهم التوبة فجاؤوا مسلمين.
فقيل : من شكران إسلامكم وإتيانكم أن ترد عليكم نساؤكم وأبناؤكم وسبيكم ، و (إِنْ يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْراً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١).
٢ ـ اقتضت حكمة الله تعالى : أن غنائم الكفار لما حصلت قسمت على من لم يتمكن الإيمان من قلبه ، من الطبع البشرى من محبة المال ، فقسمه فيهم لتطمئن قلوبهم ، وتجتمع على محبته ، لأنها جبلت على حب من أحسن إليها ، ومنع أهل الجهاد من كبار المجاهدين ، ورؤساء الأنصار ، مع ظهور استحقاقهم لجميعها ، لأنه لو قسم ذلك فيهم لكان مقصورا عليهم ، بخلاف قسمه على المؤلفة ، لأن فيه استجلاب قلوب أتباعهم الذين كانوا يرضون إذا رضي رئيسهم ، فلما كان ذلك العطاء سببا لدخولهم في الإسلام ، ولتقوية قلب من دخل إليه قبل ، تبعهم من دونهم في الدخول ، فكان ذلك مصلحة عظيمة.
٣ ـ ما وقع في قصة الأنصار ، اعتذر رؤساؤهم بأن ذلك من بعض
__________________
(١) الآية ٧٠ من سورة الأنفال.