فقد دلت هذه الكلمة على أن ثمة من قال لهم : إن عليا «عليهالسلام» لا يطلب هذا الأمر ، ولا يريده ..
وكأنهم يريدون أن يقولوا لهم : إننا إنما تصدينا لهذا الأمر ، لأن صاحبه الشرعي الذي بايعناه نحن وأنتم في يوم الغدير ، قد تخلى عن مسؤولياته فيه ، فلكي لا تضيع الأمة ، ولا يقع الخلاف بادرنا إلى طلب هذا الأمر ، لحفظ الدين ، ومنع الفتنة ..
وقد كان الأنصار لا يملكون التجربة السياسية الكافية ، بل يرى البعض : أنهم كانوا على درجة من البساطة ، وسلامة النية ، وحسن الطوية ، وهم إنما يفهمون النصوص الدينية ، بسطحية وسذاجة ، فلم يدركوا أنه لا يحق لعلي «عليهالسلام» أن يتخلى عن هذا الأمر ، فإنه إذا قضى الله ورسوله أمرا ما كان له ولا لغيره الخيرة من أمرهم .. فكيف إذا كان التخلي عن هذا الأمر من شأنه أن يثير الفتن ، وأن يضعف الدين وأهله ، ويصبح أسيرا بأيدي المبطلين والظالمين ، والجهلة والحاقدين ، وطلاب اللبانات ، وأهل الأهواء والمفسدين؟!!
ومما أشار إلى الإتجاه الثاني ما ورد من : أنه بعد أن ضاعت الفرصة من يد الأنصار هتف فريق منهم : لا نبايع إلا عليا (١). فذلك يدل على أنهم يرون أن تصدّيهم لأمر الخلافة كان من غير حق ـ وأنه من التجني على علي «عليه
__________________
(١) راجع : تاريخ الأمم والملوك ج ٢ ص ٤٤٣ والبحار ج ٢٨ ص ٣١١ و ٣٣٨ والغدير ج ٧ ص ٧٨ والكامل في التاريخ ج ٢ ص ٣٢٥ وشرح نهج للمعتزلي ج ٢ ص ٢٢ والإكمال في أسماء الرجال ص ٨٢.