سأل رجل أبى بعد منصرفه من الموقف فقال : أترى يخيب الله هذا الخلق كله؟ فقال : أبى ما وقف بهذا الموقف أحد إلا غفر الله له مؤمنا كان أو كافرا ألا انهم في مغفرتهم على ثلاث منازل مؤمن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخروا عتقه من النار ، وذلك قوله عزوجل (١) «رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنا عَذابَ النّارِ أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ» ومنهم من غفر الله له ما تقدم من ذنبه ، وقيل له : أحسن فيما بقي من عمرك وذلك قوله تعالى «فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ» يعنى من مات قبل أن يمضي فلا اثم عليه ومن تأخر فلا اثم عليه ـ لمن اتقى الكبائر ، وأما العامة فيقولون : فمن تعجل في يومين فلا اثم عليه ، يعني في النفر الأول ومن تأخر فلا اثم عليه يعنى لمن اتقى الصيد ، أفترى أن الصيد ، يحرمه الله بعد ما أحله في قوله عزوجل (٢) «وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا» وفي تفسير العامة معناه وإذا حللتم فاتقوا الصيد ، وكافر وقف هذا الموقف زينة الحياة الدنيا غفر الله له ما تقدم من ذنبه ان تاب من الشرك فيما بقي من عمره ، وان لم يتب وفاه أجره ، ولم يحرمه أجر هذا الموقف ، وذلك قوله عزوجل (٣) «مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ».
إذا عرفت ذلك فتحقيق الكلام في المقام يقع في مواضع : أحدها من المقطوع به كلام الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنه لا يجوز النفر في النفر الأول الا لمن اتقى الصيد والنساء في إحرامه ، فلو جامع في إحرامه أو قتل صيدا وان كفر عنه لم يجز له أن ينفر في النفر الأول ، ووجب عليه المقام بمنى الى النفر الثاني.
وعلى ذلك تدل جملة من الاخبار المتقدمة منها صحيحة معاوية بن عمار
__________________
(١) سورة البقرة الآية ٢٠٠ و ٢٠١.
(٢) سورة المائدة الآية ـ ٣.
(٣) سورة الهود الآية ١٥ و ١٦.