فقال الرّشيد : هكذا حدّثني أبو العبّاس ، ما غادر إسحاق من حديث أبيه حرفا واحدا ، فاستكثروا من الاستماع منه ، فنعم حامل العلم هو.
استخلف بعد أخيه السّفّاح ، وكان المنصور حاجّا في وقت وفاة السّفّاح ، فعقد له البيعة بالأنبار عمه عيسى بن علي ، وورد الخبر على المنصور في أربعة عشر يوما ، وكان له من السن إذ ذاك إحدى وأربعون سنة وشهور.
أخبرنا عبد العزيز بن علي الورّاق ، أخبرنا محمّد بن أحمد بن محمّد المفيد ، حدّثنا أبو بشر محمّد بن أحمد بن حمّاد الأنصاريّ قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن إبراهيم الكاتب قال : بويع المنصور يوم الاثنين لأربع عشرة خلت من ذي الحجة وهو ابن إحدى وأربعين سنة وعشرة أشهر ، وأمه سلامة البربريّة ، وقام ببيعته عمه عيسى ابن علي ، وأتت الخلافة أبا جعفر وهو بطريق مكة بموضع يقال له الصّفينة ، فقال : صفا أمرنا إن شاء الله.
وقال أبو بشر : قال أبو موسى هارون بن محمّد بن إسحاق بن موسى بن عيسى ابن محمّد بن علي بن عبد الله بن عبّاس ، حدّثني عبد الله بن عيسى الأمويّ ، عن إبراهيم بن المنذر الحزامي قال : مولد أبي جعفر المنصور بالحميمة في صفر سنة خمس وتسعين ، وبويع له يوم الاثنين لثنتي عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين ومائة ، وهو ابن إحدى وأربعين سنة وعشرة أشهر.
وقال أبو بشر : أخبرني طاهر بن يحيى بن حسن الطّالبي ، عن علي بن حبيش المدينيّ ، عن علي بن ميسرة الرّازيّ قال : رأيت سنة خمس وعشرين أبا جعفر المنصور بمكة ، فتى أسمر رقيق السمرة ، موفر اللمة ، خفيف اللحية ، رحب الجبهة ، أقنى الأنف بين القنى ، أعين كأن عينيه لسانان ناطقان تخالطه أبهة الملوك بزي النساك. تقبله القلوب ، وتتبعه العيون ، يعرف الشرف في تواضعه ، والعتق في صورته ، واللب في مشيته.
__________________
(١) ٥١٧٩ انظر : المنتظم ، لابن الجوزي ٧ / ٣٣٤ ـ ٨ ، ٣٤٨ / ٢١٩. وتاريخ ابن الأثير ٥ / ١٧٢ ، ٦ / ٦. والطبري ٩ / ٢٩٢ ـ ٢٢٣. والبدء والتاريخ ٦ / ٩٠. واليعقوبي ٣ / ١٠٠. وتاريخ الخميس ٢ / ٣٢٤ ، ٣٢٩. والنبراس ٢٤ ـ ٣٠. ومروج الذهب ٢ / ١٨٠ ـ ١٩٤. وفوات الوفيات ١ / ٢٣٢. والأعلام ٤ / ١١٧.