لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين أذكرك من أنت في ذكره. فقال أبو جعفر : مرحبا مرحبا ، لقد ذكرت جليلا ، وخوفت عظيما ، وأعوذ بالله أن أكون ممن إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم ، والموعظة منا بدت ، ومن عندنا خرجت ، وأنت يا قائلها فأحلف بالله ما الله أردت بها ، وإنما أردت أن يقال قام فقال فعوقب ، فصبر ، فأهون بها من قائلها واهتبلها لله ، ويلك إني غفرتها وإياكم معشر الناس وأمثالها ، وأشهد أن محمّدا عبده ورسوله ، فعاد إلى خطبته كأنما يقرؤها من قرطاس.
أخبرنا محمّد بن الحسين الجازري ، حدّثنا المعافى بن زكريا ، حدّثنا محمّد بن أبي الأزهر البوشنجي قال : حدّثنا الزّبير بن بكّار ، حدّثنا مبارك الطبري قال : سمعت أبا عبيد الله يقول : سمعت أمير المؤمنين المنصور يقول : الخليفة لا يصلحه إلا التقوى ، والسلطان لا يصلحه إلا الطاعة ، والرعية لا يصلحها إلا العدل ، وأولى الناس بالعفو أقدرهم على العقوبة ، وأنقص الناس عقلا من ظلم من هو دونه.
حدّثني الأزهري ، حدّثنا أحمد بن إبراهيم بن الحسين ، حدّثنا أبو بكر بن دريد ، حدّثنا أبو حاتم عن الأصمعيّ عن يونس قال : كتب زياد بن عبيد الحارثي إلى المنصور يسأله الزّيادة في عطائه وأرزاقه ، وأبلغ في كتابه ، فوقع المنصور في القصة ؛ إن الغنى والبلاغة إذا اجتمعا في رجل أبطراه ، وأمير المؤمنين يشفق عليك من ذلك ، فاكتف بالبلاغة.
قرأت على علي بن أبي علي البصريّ عن إبراهيم بن محمّد الطبري قال : أخبرنا إبراهيم بن علي الهجيمي (١) حدّثنا أبو العيناء قال : دخل المنصور من باب الذهب ، فإذا بثلاثة قناديل مصطفة ، فقال : ما هذا؟ أما واحد من هذا كان كافيا ، يقتصر من هذا على واحد ، قال : فلما أصبح أشرف على الناس وهم يتغدون ، فرأى الطعام قد خف من بين أيديهم قبل أن يشبعوا. فقال : يا غلام على بالقهرمان ، قال : مالي رأيت الطعام قد خف من بين أيدي الناس قبل أن يشبعوا؟ قال : يا أمير المؤمنين أريتك قد قدّرت الزيت فقدرت الطعام ، قال : فقال وأنت لا تفرق بين زيت يحترق في غير ذات الله ، وهذا طعام إذا فضل فضل وجدت له آكلا ، أبطحوه قال : فبطحوه فضربه سبع درر.
أخبرنا الحسين بن محمّد أخو الخلّال قال : أخبرني إبراهيم بن عبد الله الشطي ،
__________________
(١) في الأصل والمطبوعة : «الجهيمي».