غيره. والدّين بمعنى الطّاعة من قولهم دنت لفلان أي أطعته.
ومنه سمّي الله تعالى : الديّان ، أي القهّار المذلّل المطوع لسائر الموجودات ونظير هذه الآية قوله تعالى : (وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة : ٥] ، والمقصد منها إبطال الشّرك في عبادة الله تعالى ، وفي إبطاله تحقيق لمعنى القسط الذي في قوله : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) كما قدمناه هنالك ، و (مُخْلِصِينَ) حال من الضّمير في ادعوه.
وجملة : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) في موضع الحال من الضّمير المستتر في قوله : (مُخْلِصِينَ) وهي حال مقدرة أي : مقدّرين عودكم إليه وأنّ عودكم كبدئكم ، وهذا إنذار بأنّهم مؤاخذون على عدم الإخلاص في العبادة ، فالمقصود منه هو قوله : (تَعُودُونَ) أي إليه ، وأدمج فيه قوله : (كَما بَدَأَكُمْ) تذكيرا بإمكان البعث الذي أحالوه ؛ فكان هذا إنذارا لهم بأنّهم عائدون إليه فمجازون عن إشراكهم في عبادته ، وهو أيضا احتجاج عليهم على عدم جدوى عبادتهم غير الله ، وإثبات للبعث الذي أنكروه بدفع موجب استبعادهم إياه ، حين يقولون : (أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً وَعِظاماً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ) [الواقعة : ٤٧] ـ ويقولون ـ (أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) [النازعات : ١٠ ، ١١] ونحو ذلك ، بأنّ ذلك الخلق ليس بأعجب من خلقهم الأوّل كما قال تعالى : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) [ق : ١٥] وكما قال : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧] أي بنقيض تقدير استبعادهم الخلق الثّاني ، وتذكير لهم بأنّ الله منفرد بخلقهم الثّاني ، كما انفرد بخلقهم الأوّل ، فهو منفرد بالجزاء فلا يغني عنهم آلهتهم شيئا.
فالكاف في قوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) لتشبيه عود خلقهم ببدئه و (ما) مصدريّة والتّقدير : تعودون عودا جديدا كبدئه إيّاكم ، فقدم المتعلّق ، الدّال على التّشبيه ، على فعله ، وهو تعودون ، للاهتمام به ، وقد فسّرت الآية في بعض الأقوال بمعان هي بعيدة عن سياقها ونظمها.
و (فَرِيقاً) الأوّل والثّاني منصوبان على الحال : إمّا من الضّمير المرفوع في (تَعُودُونَ) ، أي ترجعون إلى الله فريقين ، فاكتفي عن إجمال الفريقين ثم تفصيلهما بالتّفصيل الدّال على الإجمال تعجيلا بذكر التّفصيل لأنّ المقام مقام ترغيب وترهيب ، ومعنى (فَرِيقاً هَدى) : أنّ فريقا هداهم الله في الدّنيا وفريقا حقّ عليهم الضّلالة ، أي في الدّنيا ، كما دلّ عليه التّعليل بقوله : (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) ، وإمّا من الضّمير المستتر في قوله : (مُخْلِصِينَ) أي ادعوه مخلصين حال كونكم فريقين : فريقا هداه