إن تكن عن حسن الصّنيعة مأفو |
|
كا ففي آخرين قد أفكوا |
ومعنى : (قَدْ خَلَتْ) قد مضت وانقرضت قبلكم ، كما في قوله تعالى : (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ) في سورة البقرة [١٣٤] ، يعني : أنّ حالهم كحال الأمم المكذّبين قبلهم ، وهذا تذكير لهم بما حاق بأولئك الأمم من عذاب الدّنيا كقوله : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ) [إبراهيم : ٤٥] وتعريض بالوعيد بأن يحل بهم مثل ذلك ، وتصريح بأنّهم في عذاب النّار سواء.
(كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها جَمِيعاً قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَقالَتْ أُولاهُمْ لِأُخْراهُمْ فَما كانَ لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ)
جملة : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها) مستأنفة استئنافا ابتدائيا ، لوصف أحوالهم في النّار ، وتفظيعها للسّامع ، ليتّعظ أمثالهم ويستبشر المؤمنين بالسّلامة ممّا أصابهم فتكون جملة (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا) داخلة في حيز الاستيناف.
ويجوز أن تكون جملة : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ) معترضة بين جملة : (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ) وبين جملة : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا فِيها) إلخ. على أن تكون جملة (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا) مرتبطة بجملة (ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ) بتقدير محذوف تقديره : فيدخلون حتّى إذا اداركوا.
و (ما) في قوله : (كُلَّما) ظرفية مصدريّة ، أي كلّ وقت دخول أمّة لعنت أختها.
والتّقدير : لعنت كلّ أمّة منهم أختها في كلّ أوقات دخول الأمّة منهم ، فتفيد عموم الأزمنة.
و (أُمَّةٌ) نكرة وقعت في حيز عموم الأزمنة ، فتفيد العموم ، أي كلّ أمة دخلت ، وكذلك : (أُخْتَها) نكرة لأنّه مضاف إلى ضمير نكرة فلا يتعرّف فتفيد العموم أيضا ، أي كل أمة تدخل تلعن كل أخت لها ، والمراد بأختها المماثلة لها في الدّين الذي أوجب لها الدّخول في النّار ، كما يقال : هذه الأمّة أخت تلك الأمّة إذا اشتركتا في النّسب ، فيقال : بكر وأختها تغلب ، ومنه قول أبي الطّبيب :
وكطسم وأختها في البعاد