يريد : كطسم وجديس.
والمقام يعيّن جهة الأخوّة ، وسبب اللّعن أنّ كل أمّة إنّما تدخل النّار بعد مناقشة الحساب ، والأمر بإدخالهم النّار ، وإنّما يقع ذلك بعد أن يتبيّن لهم أنّ ما كانوا عليه من الدّين هو ضلال وباطل ، وبذلك تقع في نفوسهم كراهية ما كانوا عليه ، لأنّ النّفوس تكره الضّلال والباطل بعد تبيّنه ، ولأنّهم رأوا أن عاقبة ذلك كانت مجلية العقاب لهم فيزدادون بذلك كراهيّة لدينهم ، فإذا دخلوا النّار فرأوا الأمم التي أدخلت النّار قبلهم علموا ، بوجه من وجوه العلم ، أنّهم أدخلوا النّار بذلك السّبب فلعنوهم لكراهيّة دينهم ومن اتّبعوه.
وقيل : المراد بأختها أسلافها الذين أضلّوها.
وأفادت (كُلَّما) لما فيها من معنى التّوقيت : أنّ ذلك اللّعن يقع عند دخول الأمّة النّار ، فيتعيّن إذن أن يكون التّقدير : لعنت أختها السّابقة إياها في الدّخول في النّار ، فالأمّة التي تدخل النّار أوّل مرّة قبل غيرها من الأمم لا تلعن أختها ، ويعلم أنّها تلعن من يدخل بعدها الثّانية ، ومن بعدها بطريق الأولى ، أو تردّ اللّعن على كلّ أخت لاعنة. والمعنى: كلّما دخلت أمّة منهم بقرينة قوله : (لَعَنَتْ أُخْتَها).
و (حتّى) في قوله : (حَتَّى إِذَا ادَّارَكُوا) ابتدائيّة ، فهي جملة مستأنفة وقد تقدّم في الآية قبل هذه أن (حتّى) الابتدائيّة تفيد معنى التّسبّب ، أي تسبّب مضمون ما قبلها في مضمون ما بعدها ، فيجوز أن تكون مترتبة في المعنى على مضمون قوله : (قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ) إلخ ، ويجوز أن تكون مترتّبة على مضمون قوله : (كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها).
و (ادَّارَكُوا) أصله تداركوا فقلبت التّاء دالا ليتأتى إدغامها في الدّال للتّخفيف ، وسكنت ليتحقّق معنى الإدغام المتحركين ، لثقل واجتلبت همزة الوصل لأجل الابتداء بالسّاكن ، وهذا قلب ليس بمتعيّن ، وإنّما هو مستحسن ، وليس هو مثل قلب التّاء في ادّان وازداد وادّكر : ومعناه : أدرك بعضهم بعضا ، فصيغ من الإدراك وزن التّفاعل ، والمعنى : تلاحقوا واجتمعوا في النّار. وقوله : (جَمِيعاً) حال من ضمير (ادَّارَكُوا) لتحقيق استيعاب الاجتماع ، أي حتى إذا اجتمعت أمم الضّلال كلّها.
والمراد : ب (أُخْراهُمْ) : الآخرة في الرّتبة ، وهم الأتباع والرّعيّة من كلّ أمّة من تلك الأمم ، لأنّ كلّ أمّة في عصر لا تخلو من قادة ورعاع ، والمراد بالأولى : الأولى في