المرتبة والاعتبار ، وهم القادة والمتبوعون من كلّ أمّة أيضا ، فالأخرى والأولى هنا صفتان جرتا على موصوفين محذوفين ، أي أخرى الطّوائف لأولاهم ، وقيل : أريد بالأخرى المتأخّرة في الزّمان ، وبالأولى أسلافهم ، لأنّهم يقولون : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ) [الزخرف : ٢٣]. وهذا لا يلائم ما يأتي بعده.
واللّام في : (لِأُولاهُمْ) لام العلّة ، وليست اللّام التي يتعدّى بها فعل القول ، لأنّ قول الطائفة الأخيرة موجّه إلى الله تعالى ، بصريح قولهم : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا) إلخ ، لا إلى الطّائفة الأولى ، فهي كاللّام في قوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف : ١١].
والضعف ـ بكسر الضّاد ـ المثل لمقدار الشّيء ، وهو من الألفاظ الدّالة على معنى نسبي يقتضي وجود معنى آخر ، كالزّوج والنّصف ، ويختص بالمقدار والعدد ، هذا قول أبي عبيدة والزّجاج وأئمّة اللّغة ، وقد يستعمل فعله في مطلق التّكثير وذلك إذا أسند إلى ما لا يدخل تحت المقدار ، مثل العذاب في قوله تعالى : (يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ) [الفرقان : ٦٩] ـ وقوله ـ (يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) [الأحزاب : ٣٠] أراد الكثرة القويّة فقولهم هنا (فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً) أي أعطهم عذابا هو ضعف عذاب آخر ، فعلم أنّه ، آتاهم عذابا ، وهم سألوا زيادة قوّة فيه تبلغ ما يعادل قوّته ، ولذلك لما وصف بضعف علم أنّه مثل لعذاب حصل قبله إذ لا تقول : أكرمت فلان ضعفا ، إلّا إذا كان إكرامك في مقابلة إكرام آخر ، فأنت تزيده ، فهم سألوا لهم مضاعفة العذاب لأنّهم علموا أنّ الضّلال سبب العذاب ، فعلموا أنّ الذين شرعوا الضّلال هم أولى بعقوبة أشدّ من عقوبة الذين تقلّدوه واتبعوهم ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : (يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْ لا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٣١].
وفعل : (قالَ) حكاية لجواب الله إياهم عن سؤالهم مضاعفة العذاب لقادتهم ، فلذلك فصل ولم يعطف جريا على طريقة حكاية الأقوال في المحاورات ، والتّنوين في قوله : (لِكُلٍ) عوض عن المضاف إليه المحذوف ، والتّقدير : لكلّ أمّة ، أو لكلّ طائفة ضعف ، أي زيادة عذاب مثل العذاب الذي هي معذّبه أول الأمر ، فأمّا مضاعفة العذاب للقادة فلأنّهم سنّوا الضّلال أو أيّدوه ونصروه وذبّوا عنه بالتّمويه والمغالطات فأضلوا ، وأمّا مضاعفته للأتباع فلأنهم ضلّوا بإضلال قادتهم ، ولأنّهم بطاعتهم العمياء لقادتهم ، وشكرهم إياهم على ما يرسمون لهم ، وإعطائهم إياهم الأموال والرّشا ، يزيدونهم طغيانا وجراءة