يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) [الطور : ٤٤] ، إذ هو تهديد لهم بأشراط الساعة وإشرافهم على الحساب. وجعلوا (من) في قوله تعالى : (كِسَفاً مِنَ السَّماءِ) [الطور : ٤٤] تبعيضية ، أي قطعة من الأجرام السماوية ، فلذلك أبوا تعدية فعل (تُسْقِطَ) إلى ذات السماء. واعلم أن هذا يقتضي أن تكون هاتان الآيتان أو إحداها نزلت قبل سورة الإسراء وليس ذلك بمستبعد.
و «الكسف» ـ بكسر الكاف وفتح السين ـ جمع كسفة ، وهي القطعة من الشيء مثل سدرة وسدر. وكذلك قرأه نافع ، وابن عامر ، وأبو بكر عن عاصم ، وأبو جعفر. وقرأه الباقون ـ بسكون السين ـ بمعنى المفعول ، أي المكسوف بمعنى المقطوع.
والزعم : القول المستبعد أو المحال.
والقبيل : الجماعة من جنس واحد. وهو منصوب على الحال من الملائكة ، أي هم قبيل خاص غير معروف ، كأنهم قالوا : أو تأتي بفريق من جنس الملائكة.
والزخرف : الذهب.
وإنما عدي (تَرْقى فِي السَّماءِ) بحرف (في) الظرفية للإشارة إلى أن الرقي تدرج في السماوات كمن يصعد في المرقاة والسلم.
ثم تفننوا في الاقتراح فسألوه إن رقى أن يرسل إليهم بكتاب ينزل من السماء يقرءونه ، فيه شهادة بأنه بلغ السماء. قيل : قائل ذلك عبد الله بن أبي أمية ، قال : حتى تأتينا بكتاب معه أربعة من الملائكة يشهدون لك.
ولعلهم إنما أرادوا أن ينزل عليهم من السماء كتابا كاملا دفعة واحدة ، فيكونوا قد ألحدوا بتنجيم القرآن ، توهما بأن تنجيمه لا يناسب كونه منزلا من عند الله لأن التنجيم عندهم يقتضي التأمل والتصنع في تأليفه ، ولذلك يكثر في القرآن بيان حكمة تنجيمه.
واللام في قوله : (لِرُقِيِّكَ) يجوز أن تكون لام التبيين. على أن «رقيك» مفعول (نُؤْمِنَ) مثل قوله : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) فيكون ادعاء الرقي منفيا عنه التصديق حتى ينزل عليهم كتاب. ويجوز أن تكون اللام لام العلة ومفعول (نُؤْمِنَ) محذوفا دل عليه قوله قبله: (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ). والتقدير : لن نصدقك لأجل رقيك هي تنزل علينا كتابا. والمعنى : أنه لو رقى في السماء لكذبوا أعينهم حتى يرسل إليهم كتابا يرونه نازلا من السماء. وهذا تورك منهم وتهكم.