ثم لم يزل الاعتناء في هذه السورة بالمقارنة بين رسالة محمد صلىاللهعليهوسلم ورسالة موسى ـ عليهالسلام ـ إقامة للحجة على المشركين الذين كذبوا بالرسالة بعلة أن الذي جاءهم بشر ، وللحجة على أهل الكتاب الذين ظاهروا المشركين ولقنوهم شبه الإلحاد في الرسالة المحمدية ليصفو لهم جوّ العلم في بلاد العرب وهم ما كانوا يحسبون لما وراء ذلك حسابا.
فالمعنى : ولقد آتينا موسى تسع آيات على رسالته.
وهذا مثل التنظير بين إيتاء موسى الكتاب وإيتاء القرآن في قوله في أول السورة (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) [الإسراء : ٢] الآيات ، ثم قوله : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء : ٩].
فتكون هذه الجملة عطفا على جملة (قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً) [الإسراء : ٩٣] أو على جملة (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي) الآية [الإسراء : ١٠٠].
ثم انتقل من ذلك بطريقة التفريع إلى التسجيل ببني إسرائيل استشهادا بهم على المشركين ، وإدماجا للتعريض بهم بأنهم ساووا المشركين في إنكار نبوءة محمدصلىاللهعليهوسلم ومظاهرتهم المشركين بالدس وتلقين الشبه ، تذكيرا لهم بحال فرعون وقومه إذ قال له فرعون (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً).
والخطاب في قوله : (فَسْئَلْ) للنبي صلىاللهعليهوسلم. والمراد : سؤال الاحتجاج بهم على المشركين لا سؤال الاسترشاد كما هو بين.
وقوله : (مَسْحُوراً) ظاهره أن معناه متأثرا بالسحر ، أي سحرك السحرة وأفسدوا عقلك فصرت تهرف بالكلام الباطل الدال على خلل العقل (مثل الميمون والمشئوم). وهذا قول قاله فرعون في مقام غير الذي قال له فيه (يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ) [الشعراء : ٣٥] ، والذي قال فيه (إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) ، [الشعراء : ٣٤] فيكون إعراضا عن الاشتغال بالآيات وإقبالا على تطلع حال موسى فيما يقوله من غرائب الأقوال عندهم. ألا ترى إلى قوله تعالى حكاية عنه (قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلا تَسْتَمِعُونَ) [الشعراء : ٢٥]. وكل تلك أقوال صدرت من فرعون في مقامات محاوراته مع موسى ـ عليهالسلام ـ فحكي في كل آية شيء منها.