و (إذا) ظرف متعلق ب (آتَيْنا). والضمير المنصوب في (جاءَهُمْ) عائد إلى بني إسرائيل. وأصل الكلام : ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات إذ جاء بني إسرائيل ، فاسألهم.
وكان فرعون تعلق ظنه بحقيقة ما أظهر من الآيات فرجح عنده أنها سحر ، أو تعلق ظنه بحقيقة حال موسى فرجح عنده أنه أصابه سحر ، لأن الظن دون اليقين ، قال تعالى : (إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثية : ٣٢]. وقد يستعمل الظن بمعنى العلم اليقين.
ومعنى (قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) : أن فرعون لم يبق في نفسه شك في أن تلك الآيات لا تكون إلا بتسخير الله إذ لا يقدر عليها غير الله ، وأنه إنما قال : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) عنادا ومكابرة وكبرياء.
وأكد كلام موسى بلام القسم وحرف التحقيق تحقيقا لحصول علم فرعون بذلك. وإنما أيقن موسى بأن فرعون قد علم بذلك : إما بوحي من الله أعلمه به ، وإما برأي مصيب ، لأن حصول العلم عند قيام البرهان الضروري حصول عقلي طبيعي لا يتخلف عن عقل سليم.
وقرأ الكسائي وحده (لَقَدْ عَلِمْتَ) ـ بضم التاء ـ ، أي أن تلك الآيات ليست بسحر كما زعمت كناية على أنه واثق من نفسه السلامة من السحر.
والإشارة ب (هؤُلاءِ) إلى الآيات التسع جيء لها باسم إشارة العاقل ، وهو استعمال مشهور. ومنه قوله تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً) [الإسراء : ٣٦] ، وقول جرير :
ذم المنازل بعد منزلة اللوى |
|
والعيش بعد أولئك الأيام |
والأكثر أن يشار ب (أولاء) إلى العاقل.
والبصائر : الحجج المفيدة للبصيرة ، أي العلم ، فكأنها نفس البصيرة.
وقد تقدم عند قوله تعالى : (هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ) في آخر سورة الأعراف[٢٠٣].
وعبر عن الله بطريق إضافة وصف الرب للسماوات والأرض تذكيرا بأن الذي خلق السماوات والأرض هو القادر على أن يخلق مثل هذه الخوارق.
والمثبور : الذي أصابه الثبور وهو الهلاك. وهذا نذارة وتهديد لفرعون بقرب هلاكه.