وقسم علم أن الفوز الحق هو فيما بعد هذه الحياة فعمل للآخرة مقتفيا ما هداه الله إليه من الأعمال بواسطة رسله وأن الله عامل كل فريق بمقدار همته.
فمعنى (كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ) أنه لا يريد إلا العاجلة ، أي دون الدنيا بقرينة مقابلته بقوله : (وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ) لأن هذه المقابلة تقوم مقام الحصر الإضافي إذ ليس الحصر الإضافي سوى جملتين إثبات لشيء ونفي لخلافه. والإتيان بفعل الكون هنا مؤذن بأن ذلك ديدنه وقصارى همه ، ولذلك جعل خبر (كان) فعلا مضارعا لدلالته على الاستمرار زيادة تحقيق لتمحض إرادته في ذلك.
و (الْعاجِلَةَ) صفة موصوف محذوف يعلم من السياق ، أي الحياة العاجلة ، كقوله: (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها) [هود : ١٥].
والمراد من التعجيل العرفي وهو المبادرة المتعارفة ، أي أن يعطى ذلك في الدنيا قبل الآخرة ، فذلك تعجيل بالنسبة إلى الحياة الدنيا ، وقرينة ذلك قوله : (فِيها). وإنما زاد قيدي (ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) لأن ما يعطاه من أرادوا العاجلة يعطاه بعضهم بالمقادير التي شاء الله إعطاءها.
والمشيئة : الطواعية وانتفاء الإكراه.
وقوله : (لِمَنْ نُرِيدُ) بدل من قوله : (لَهُ) بدل بعض من كل بإعادة العامل ، فضمير (لَهُ) عائد إلى من باعتبار لفظه ، وهو عام لكل مريد العاجلة فأبدل منه بعضه ، أي عجلنا لمن نريد منكم ، ومفعول الإرادة محذوف دل عليه ما سبقه ، أي لمن نريد التعجيل له ، وهو نظير مفعول المشيئة الذي كثر حذفه لدلالة كلام سابق. وفيه خصوصية البيان بعد الإبهام. ولو كان المقصود غير ذلك لوجب في صناعة الكلام التصريح به.
والإرادة : مرادف المشيئة ، فالتعبير بها بعد قوله : (ما نَشاءُ) تفنن. وإعادة حرف الجر العامل في المبدل منه لتأكيد معنى التبعية وللاستغناء عن الربط بضمير المبدل منهم بأن يقال : من نريد منهم.
والمعنى : أن هذا الفريق الذي يريد الحياة الدنيا فقط قد نعطي بعضهم بعض ما يريد على حسب مشيئتنا وإرادتنا لأسباب مختلفة. ولا يخلوا أحد في الدنيا من أن يكون قد عجل له بعض ما يرغبه من لذات الدنيا.
وعطف جملة (جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ) بحرف (ثم) لإفادة التراخي الرتبي. و (لَهُ) ظرف