أما الأول فلأن الحجة بالمعنى المنطقي هي الأوسط القياسي ، والقطع بالحكم لم يؤخذ في موضوع الكبريات الشرعية ، لاستحالة تقييد الحكم بالعلم به. وأما القطع بالموضوع ـ كالخمر ـ فهو غير مأخوذ في موضوع الكبريات الشرعية أيضا ، لأن الكلام في القطع الطريقي ، لا الموضوعي.
وأما الثاني فلأن الحجة بالمعنى الأصولي هي ما يوجب إثبات متعلقه في مقام العمل ، بحيث يصح الاعتماد عليه في الحكم به ، كما في الطرق والأمارات القائمة على الأحكام والموضوعات ، ولا يصدق ذلك على القطع ، لما عرفت من أنه عين وصول الواقع وانكشافه للنفس ، فهو مغن عن طلب الحجة رافع لموضوعها.
وبعبارة اخرى : الحجة في مقام العمل هي التي يكون العمل مبتنيا عليها ، بحيث يعتمد عليها في مقام إحراز موضوعه ، وذلك لا يجري في القطع ، لما عرفت من أنه لما كان عبارة عن الوصول للواقع ، كان النظر في مقام العمل للواقع لا غير ، ولم يكن القطع ملتفتا إليه حينه أصلا.
نعم ، قد يطلق على القطع الحجة بالمعنى العرفي ، الراجع إلى كون الشيء منجزا ومعذرا. ويأتي الكلام فيه في المقام الثاني.
الخامس : ان هذه المسألة خارجة عن المسائل الأصولية ، إذ المعيار في المسألة الأصولية وقوعها في طريق استنباط الحكم الشرعي الفرعي ، لكونها إحدى مقدمات القياس المنتج له ، وقد عرفت أن القطع بنفسه وصول للحكم ، وليس هو مقدمة للوصول إليه واستنباطه ، فهو عبارة عن العلم بالنتيجة المغني عن تكلف القياس المنتج لها.
وأما متابعته فهي من آثاره اللاحقة له بذاته والتي لا دخل لها بالاستنباط بوجه ، بل هي كوجوب متابعة الحكم المستنبط ، الذي لا يكون مقدمة لاستنباطه.