رجوع كلام الأصحاب إلى القول بعدم الفصل ، بل إلى مجرد عدم القول به.
على أنه لا يبعد بناء الأصحاب عليه ، ولعل عدم عملهم بالخبر الصحيح المهجور ليس لعدم حجية سنده ، بل لكشف الهجر عن خلل في دلالته أو جهته ، كما أشرنا إليه عند الكلام في حجية الظواهر.
وأما ما ذكره بعض مشايخنا من أنه لا مانع من تقييد المفهوم بما إذا لم يكن الخبر مهجورا عند الأصحاب ، فيظهر الكلام فيه مما سبق في الوجه الثاني من تعذر تسليط القيد على المفهوم وحده.
الوجه الرابع : أنه لا مجال للعمل بالمفهوم في الأحكام ، لوجوب الفحص عن المعارض في خبر العادل بلا إشكال ، الذي هو نحو من التبين ، فينافي المفهوم.
ويندفع بما ذكره شيخنا الأعظم قدّس سرّه من أن وجوب الفحص عن المعارض ليس من سنخ التبين الذي تعرضت له الآية ، إذا التبين فيها كناية عن عدم حجية الخبر ذاتا ، والفحص عن المعارض مبني على حجيته ذاتا لو لا المعارض ، ولذا لو فحص عن المعارض ولم يعثر عليه عمل بالحجة ، أما لو تبين عن غير الحجة ـ كخبر الفاسق ـ ولم يعثر على شيء فلا يعمل به.
الوجه الخامس : أن المراد من الفاسق لا يخلو عن إجمال ، لأن إطلاقه في مقابل العادل بالمعنى المعتبر عندهم في حجية الخبر وتحديده بالمعنى المذكور اصطلاح متأخر ، والشائع في الاستعمالات خصوصا في الكتاب الشريف إطلاقه في مقابل المؤمن ، فيعم الكافر والمنافق ، وهو المناسب لمورد الآية ، بل في بعض الروايات النهي عن إطلاق الفاسق على المؤمن العاصي ، وأنه فاسق العمل ، وحينئذ فلا مجال لحمل القضية على المفهوم إلا بتقييده بالعادل الذي لا مجال له ، إما لما سبق في الوجه الثاني من امتناع تقييد المفهوم ، أو لأن التقييد المذكور لما كان مستلزما لإخراج كثير من الأفراد أو أكثرها كان إلغاء