بل يعم التجري ، فتكون المسألة عقلية صرفة ، لأن المرجع في استحقاق العقاب هو العقل لا غير. بخلاف البحث في المقامين الأولين.
وعن السبزواري تقرير حكم العقل المذكور بأنه لا فرق بين المعصية الحقيقية والتجري ، إلا في إصابة الواقع وعدمه ، ومثل ذلك لا يكون فارقا في استحقاق العقاب ، لانه أمر خارج عن اختيار المكلف ، وليس من المكلف إلا الإقدام على ما يعتقد كونه معصية ، وهو اختياري له.
وقد أجاب عن ذلك شيخنا الأعظم قدّس سرّه : بأن العقاب على ما لا يرجع بالاخرة إلى الاختيار قبيح ، أما عدم العقاب لأمر خارج عن الاختيار فقبحه غير معلوم.
ولا يخفى أن الكلام ليس في نفس العقاب ، ليقع الكلام في قبحه وعدمه ، بل في استحقاقه.
فالأولى أن يقال : إن من يرى عدم استحقاق المتجري للعقاب يرى أن موضوع الاستحقاق خصوص المخالفة الواقعية التي هي اختيارية لمن يصيب قطعه الواقع ، وعدم الاستحقاق مع الخطأ لعدم الموضوع ، ولا مانع عند العقلاء من كونه غير اختياري ، نظير من لا يتحقق منه العصيان لحبس ونحوه مما يوجب عجزه عن المعصية ، وإن كان بحيث لو قدر لعصى ، مع أنه لا يستحق العقاب عندهم.
والإنصاف : أنه لا مجال للاستدلال في مثل هذه الأمور الارتكازية العقلية التي ليس لها وراء الارتكاز واقع محفوظ يمكن الاستدلال عليه. كما لا مجال لفرض كبريات مسلمة. لتنفع في الاستدلال ، لأن الكبريات لما كانت مأخوذة من العقل امتنع فرضها عليه ، فإنكار بعض صغرياتها أو التشكيك فيها قد يرجع إلى إنكار الكبرى بالنحو الشامل لتلك الصغريات أو التشكيك فيها ، فتسقط عن الاستدلال.