نعم ، قد يقال : إذا كان الدليل متعرضا لموضوع حكم دليل آخر ومنقحا له يكون حاكما على ذلك الدليل ومتقدما عليه رتبة ، وحيث يمتنع اتحاد الحاكم والمحكوم ، لاستلزامه تقدم الدليل على نفسه ونظره لها ، يمتنع دخول الحكم بالحجية في جميع أخبار الوسائط تحت دليل واحد ، لأنه حيث كان كل منها منقحا لموضوع الآخر كان دليله حاكما على دليله ، فيلزم اتحاد الحاكم والمحكوم.
لكنه مندفع : بأن الترتب والتحاكم في مثل المقام إنما يكون بين نفس الحكمين ، لترتب موضوع أحدهما على الآخر إثباتا ، ونسبته إلى الدليلين بالعرض ، وقد عرفت أنه لا مانع من شمول العام للأحكام المترتبة ثبوتا فضلا عن المترتبة إثباتا ، وإنما يكون التحاكم بين الدليلين حقيقة فيما لو كان أحدهما ناظرا للآخر وشارحا له بما هو دليل ، وفي مثله يمتنع اتحاد الدليل الحاكم والمحكوم. وتمام الكلام في مبحث التعارض.
ثم إن هذه الوجوه الثلاثة من الإشكال مختصة بعمومات حجية الخبر القابلة للتخصيص ، ولا تجري في الأدلة اللبية من الإجماع والسيرة ونحوهما ، إذ هي ـ لو تمت ـ قطعية لا تبقي مجالا للوجوه المذكورة ، وإلا لم تصلح للدليلية ، فلا موضوع للإشكال عليها بما تقدم ، كما لا يخفى.
هذا تمام الكلام في آية النبأ ، وقد أطلنا الكلام فيها تبعا لما ذكره مشايخنا في المقام. ومن الله سبحانه نستمد العون ، وبه الاعتصام.
الآية الثانية : التي استدل بها على حجية خبر الواحد قوله تعالى : (وَما كانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)(١).
ولعل الأولى في تقريب الاستدلال بها أن يقال : هي ظاهرة في وجوب
__________________
(١) التوبة : ١٢٢.