مورد الإمضاء لبناء العقلاء في العمل بالطرق المذكورة ، لابتناء عملهم بها على معاملتها معاملة القطع الوجداني.
ففيه : أن بناء العقلاء إنما هو على العمل بالطرق المذكورة وعدم الاعتناء باحتمال الخلاف ، لا على البناء تشريعا على كونها علما والتعبد بذلك ، فإن ذلك كسائر الأحكام محتاج إلى عناية خاصة لا طريق لاستفادته من سيرة العقلاء ومرتكزاتهم.
وثالثا : أن الجهة الثالثة التي ذكرها للقطع من البناء والجري العملي وعقد القلب على الواقع المقطوع ليس من مقومات القطع ، بل مما يترتب عليه في الجملة ، فإن القاطع قد يعقد قلبه على ما يقطع به ، وقد يعقد قلبه على خلافه جحودا.
ولو سلم ملازمة القطع للاعتقاد فالأصول لا تقوم مقامه فيه ، لوضوح عدم كون المطلوب فيها الاعتقاد بثبوت مؤداها ، ولا جعله تشريعا ، بل مجرد البناء العملي ، وهو مباين للاعتقاد الحاصل بالقطع.
إلا أن يكون مراده من ذلك محض البناء العملي الذي لا إشكال في ثبوته في الطرق والأصول ، كما سيأتي.
الرابع : ما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه في خصوص الطرق والأمارات من أن مفاد أدلة اعتبارها جعل حجيتها. قال قدّس سرّه : «والحجية المجعولة غير مستتبعة لإنشاء أحكام تكليفية بحسب ما أدى إليه الطريق ، بل إنما تكون موجبة لتنجز التكليف به إذا أصاب ، وصحة الاعتذار به إذا أخطأ ، ولكون مخالفته وموافقته تجريا وانقيادا مع عدم إصابته ، كما هو شأن الحجة غير المجعولة».
ويظهر من بعض مشايخنا أنه فهم منه كون الحجية عبارة عن المنجزية والمعذرية ، فأورد عليه بأن المعذرية والمنجزية من الأحكام العقلية التابعة لموضوعها ، وهو البيان ، فلا مجال لجعلها في غير موضوعها ، لامتناع تخصيص