الجهتين الاخريين ، حيث كان مفاد أدلة اعتبارها جعلها علما شرعا بتتميم كشفها وطريقيتها للواقع. ومن ثمّ اعتبر في الطرق أن تكون لها في حدّ ذاتها جهة كشف ، وليس من الشارع إلا تتميمه بإلغاء احتمال الخلاف شرعا ، ويترتب على ذلك الجري العملي عليها.
أما الأصول التنزيلية فهي تشاركه في الجهة الثالثة فقط ، فالمجعول فيها الجري والبناء العملي على الواقع ، الذي كان في العلم قهريا وفي الأصول تعبديا ، دون الكشف والطريقية ، إذ ليس للشك الذي هو الموضوع فيها جهة كشف أصلا.
وفيه .. أولا : أن التعبد والاعتبار إنما يتناول الحقائق الجعلية ، دون الحقائق المتأصلة ، كالعلم والانكشاف ونحوهما من الصفات الحقيقية التي لها ما بإزاء في الخارج ، فلا معنى لاعتبار الطرق علما وخلع صفته لها تشريعا. وكما لا يمكن اعتباره في غير مورده بما هو صفة خاصة لا يمكن اعتباره بما هو كاشف ، لأن الانكشاف من الأمور الحقيقية المقومة لذات العلم ، فكما لا يمكن سلخ العلم عنه تشريعا لا يمكن جعله لغيره كذلك.
وأشكل من ذلك ما رتبه قدّس سرّه عليه من لزوم كون الطرق لها في حدّ ذاتها جهة كشف تممها الشارع.
اذ مع فرض أن العلم والكشف مما يقبل الجعل والتشريع لا فرق في جعله بين ما فيه كشف ذاتي ناقص وغيره ، فكما يمكن تتميم الكشف في الأول يمكن إحداثه بتمامه في الثاني.
وثانيا : أنه لو سلم إمكان الجعل المذكور ، إلا أنه لا مجال لاستفادته من الأدلة ، لما ذكرناه في الوجه الثاني. بل الجعل المذكور محتاج إلى عناية خاصة لا إشعار في الأدلة بها.
وأما ما ذكره بعض مشايخنا من لزوم حملها على ذلك ، بقرينة ورودها