ومما ذكرنا يظهر أنه لا موجب للبناء على كون الحجية منتزعة من الحكم الطريقي ، وهو وجوب العمل بالحجة شرعا.
كيف ولازمه كون الحجية في الأحكام الإلزامية مباينة للحجية في الأحكام الترخيصية؟! لاختلاف منشأ انتزاعهما ، لان الاولى منتزعة من وجوب العمل بالحجة ، والثانية منتزعة من جوازه لا وجوبه.
مضافا الى أن المرتكز وجوب العمل بالحجة من الأحكام العقلية المتفرعة على الحجية ، والحجية من الأمور الاعتبارية القابلة للجعل ، كما يشهد به التوقيع الشريف : «وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله» (١) ، فانه ظاهر في تأصل الحجية بالجعل وترتب العمل عليها ، لا أنها منتزعة من وجوب العمل ، على ما هو التحقيق في سائر الأحكام الوضعية ، وإن فارقتها في أن ترتب العمل عليها عقلي ، وعلى سائر الأحكام الوضعية شرعي.
على أن مجرد الأمر بالعمل على طبق الطريق لا يستلزم حجيته ، بل إن كان تعبديا لمحض احتمال إصابة الواقع نظير الأمر بالاحتياط لم يستلزم الحجية ، وإن كان متفرعا على صلوح الطريق شرعا لإثبات مؤداه ، بحيث يعتمد عليه في البناء عليه ويكون العمل بالمؤدى بعد ثبوته به ، كما يعمل عليه مع انكشافه بالعلم الوجداني ، كان مستلزما للحجية. ومرجع ذلك إلى أن الحجية أمر اعتباري قابل للجعل يترتب عليه العمل عقلا ، كما ذكره المحقق الخراساني قدّس سرّه وليست منتزعة من وجوب العمل على طبق الطريق ، كما ذكره بعض الأعيان المحققين قدّس سرّه.
نعم ، وجوب العمل عقلا بالحجة طريقي في طول وجوب إطاعة التكاليف الشرعية ، لرجوعه إلى إحراز الصغرى بعد الفراغ عن الكبرى. كما أن
__________________
(١) الوسائل ج ١٨ : ١٠١ باب ١١ من أبواب صفات القاضي حديث ٩.